كتاب وجهة العالم الإسلامي

قرن على طول حدودها؛ إنها لم تستفق للنهوض إلا بعد أن وقعت في أسر الاستعمار، يقودها في وثبتها سيدي محمد بن يوسف.
فالاستعمار إذن؛ ليس هو السبب الأول الذي نحمل عليه عجز الناس وخمولهم في مختلف بلاد الإسلام. ولكي نصدر حكماً صادقاً في هذا المجال ينبغي أن نتقصى الحركة الاستعمارية من أصولها، لا أن نقف أمام حاضرها؛ أي إن علينا أن ننظر إليها بوصفنا علماء اجتماع لا بوصفنا رجال سياسة، وسندرك حينئذ أن الاستعمار يدخل في حياة الشعب المستعمر بصفته عاملاً مناقضاً يعينه على التغلب على قابليته له، حتى إن هذه القابلية التي يقوم على أساسها الاستعمار، تنقلب إلى رفض لذاتها في ضمير المستعمر، فيحاول جهده التخلص منها. وليس تاريخ العالم الإسلامي منذ أكثر من نصف قرن، سوى الجو التاريخي لهذا التناقض، الذي أدخله الاستعمار على الأوضاع التي تخلقت في ظلها القابلية واتسمت بها.
فهناك إذن جانب إيجابي للاستعمار، حين يحرر الطاقات التي طال عليها زمن الخمود، على الرغم من أنه يعد من جانب آخر عاملاً سلبياً، حين يتجه إلى تحطيم هذه الطاقات، بتطبيقه قانون (المعامل الاستعماري)، ولدينا في هذا الصدد واقع ذو دلالة؛ فإن التاريخ لم يسجل مطلقاً استمرار الواقع الاستعماري، إذ إن قوى الإنسان الجوهرية تتغلب أخيراً على جميع ضروب التناقض. وليس معنى هذا أن المستعمر يفد إلى المستعمرات (ليحركها)، وإنما يجيء ليشلها، كما يشل العنكبوت ضحية وقعت في شباكه، ولكنه في نهاية الأمر يغير ظروف حياة المستعمَر من جذورها، فيساعده بذلك على تغيير نفسه.
فمن الواجب إذن عندما ندرس وضع بلد مستعمَر، ألا نغفل النظر إلى هاتين الفكرتين المتلازمتين، وإن كانتا في الحقيقة متمايزتين: الاستعمار والقابلية للاستعمار.

الصفحة 94