كتاب وجهة العالم الإسلامي

ولما كان المستعمَر من ناحية أخرى بحاجة إلى وسائل يغير بها وضعه بوصفه قابلاً للاستعمار، فإننا نجد هنا أيضاً انحراف تلك السياسات عن الجادة، وزيغها عن الطريق الأقوم، لأنها تتلمس وسائلها إلى العمل من المستعمِر نفسه، وعجيب أمر الأسير يطلب مفتاح سجنه من سجّانه.
يجب إذن أن نبين العوامل التي تحدد وضع الإنسان في مرحلة معينة من مراحل تطوره، ليمكننا أن نستخلص منها السياسة التي تنطبق على تلك المرحلة، وغني عن البيان أن ظروف الحياة تعد نتيجة للحالة العامة في بيئة معينة، وبذلك تكون تلك الظروف (مرحلة) من مراحل (الحضارة)، لا (شكلاً) من أشكال (السياسة): فما الشكل السياسي إلا انعكاس للوضع الحضاري، وكم من ملكيات ينتعل الناس فيها الحفاء، وجمهوريات يموتون فيها جوعاً.
والواقع أن الفكر السياسي الحديث في العالم الإسلامي هو في ذاته عنصر متنافر، فهو اقتباس لا يتفق وحالة ذلك العالم، والمسلمون في هذا الميدان أو في غيره من الميادين لم ينقبوا عن وسائل لنهضتهم، بل اكتفوا بحاجات قلدوا فيها غيرهم، وأشكال جوفاء إلا من الهواء، بينما ليست حاجتنا أن نجمع العناصر لنكوّن منها تلفيقاً، وإنما أن نوجد بواسطة منهج يقوم على التحليل، العناصر الأساسية التي تسهم في خلق (تركيب) حضاري قائم على: الإنسان والتراب والوقت.
وبوسعنا أن ندرس درجة حضارة ما، بملاحظة الطريقة التي يتبعها الإنسان ليتفاعل مع بيئته.
ففي طور الحياة النباتية (البدائية)، لم يكن الإنسان يبذل في سبيل التوافق مع نواميس الحياة سوى (أقل الجهد): فلكي يقاوم البرد يتوهم أنه قادر على ذلك بالقيام بأقل جهد ممكن؛ أعني بأقل حركات ممكنة، فيقبع في مسكنه

الصفحة 97