كتاب وسائل معالجة الفقر في العهد النبوي (أهل الصفة أنموذجا) (اسم الجزء: 1)
وقد ورد أن أول أرض أفاءها اللهُ على رسوله، أرضه من أموال بني النضير بالمدينة، أجلاهم عنها، وكفَّ عن دمائهم، وجعل لهم ما حملته الإبل من أموالهم إلا الحلقه-وهي السلاح- فخرجوا بما استقلَّت إبلهم إلى خيبر والشام، وخلصت أرضهم كلها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلَّا ما كان ليامين بن عمير وأبي سعد بن وهب- فإنَّهما أسلما قبل الظَّفر، فأحرزا أموالهما، ثمَّ قسَّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما سوى الأرضين من أموالهم على المهاجرين الأوَّلين دون الأنصار إلا سهل بن حنيف وأبا دجانة-سماك بن خرشة- فإنَّهما ذكرا فقرًا فأعطاهما، وحبس الأرضين على نفسه، فكانت من صدقاته يضعها حيث يشاء، وينفق منها على أزواجه، ثمَّ سلَّمها عمر إلى العبَّاس وعليٍّ، رضوان الله عليهما؛ ليقوما بمصروفها. (¬1)
قال الإمام الخصَّاف: عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، يقول: «ما أعلم أحدًا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أهل بدر من المهاجرين والأنصار إلَّا وقد وقف من ماله حبسًا لا يُشترى ولا يورث ولا يوهَب حتَّى يرث اللهُ الأرضَ ومَن عليها». (¬2)
وعن عثمان «أنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قدم المدينة، وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة، فقال: مَن يشتري بئر رومة فيجعل فيها دلوه مع دِلاء المسلمين بخير له منها في الجنَّة، فاشتريتها من صلب مالي». (¬3)
وللدَّلالة على وفرة أوقاف الصَّحابة، قال الشَّافعي رحمه اللَّه: «بلغني أن ثمانين صحابيًّا من الأنصار
¬_________
(¬1) الأوقاف النبوية ووقفيات بعض الصحابة الكرام، د. عبد الله بن محمد بن سعد الحجيلي (ص 146).
(¬2) المرجع السابق (ص: 165).
(¬3) سنن النسائي، كتاب: الأحباس، باب: وقف المساجد (6/ 235) حديث: 3608، وسنن الترمذي، أبواب المناقب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، باب في مناقب عثمان بن عفان رضي الله عنه، وله كنيتان، يقال: أبو عمرو، وأبو عبد الله (6/ 68)، حديث: 3703 وانظر: صحيح البخاري مع الفتح: (5/ 407، (5/ 30).