كتاب الوساطه بين المتنبي وخصومه ونقد شعره

ونحو بيت ابن الرقيات قول أبي الطيب:
قومٌ تفرّست المنايا فيكم ... قرأتْ لكم في الحرب صبْرَ كِرامِ
كأنه قال: أنتم قوم هذه حالكم، وقوله:
كريمٌ متى استوهِبَتْ ما أنتَ راكبٌ ... وقد لقِحَتْ حربٌ فإنّك باذِلُ
وأقول: إنّ هذه القضية إذا استمرت على ظاهرها، واقتصر على القدْر المذكور منها، اختلطت الكنايات وتداخلت الضمائر، ولم ينفصِل غائب عن حاضر، ولم يتميّز مخاطب. وله مواضع تختصّ بالجواز، وأخرى تبعُد عنه، وبينهما فصول تدِقّ وتغمُض، ولذكرِها موضعٌ هو أملَك بهما، وأبياتُ أبي الطيب عندي غير مُستكرَهة في قسم الجواز، وقد بلغ هذا المحتجّ منه مبلغاً، غير أنّ أبا الطيب عندي غيرُ معذور بتركِه الأمرَ القويّ الصحيح الى المُشكِل الضعيف الواهي لغير ضرورة داعية، ولا حاجة ماسّة؛ إذ موقعُ اللفظتين من الوزنِ واحد؛ ولو قال: نفوسهم لأزال الشُبهة، ودفع القالة، وأسقط عنه الشغب، وعناء التعب.
وقوله:
مضى بعد ما التفّ الرِّماحان ساعةً ... كما يتلقّى الهُدْبُ في الرّقْدةِ الهُدْبا
فأنكروا تثنية الرماح، وهو جمع رمح فحاجّهم أبو الطيب ببيت أبي النّجم:
تنقلتُ من أول التنقل ... بين رِماحَيْ مالكِ ونهشَل
والتثنية عند النحويين جائزة في مثل هذا إذا اختلفت الضروب والأجناس،

الصفحة 449