كتاب الوساطه بين المتنبي وخصومه ونقد شعره

وقد نسبت العرب الى كل ذلك فقالوا: خُماسي وسُداسي وعُشاري. قال أبو النجم:
فوق الخماسيّ قليلاً تفضّله
فأما قولهم: إن هذه الألفاظ إنما عدلت في المعنى، فأجريت مُجرى واحد واحد، اثنين اثنين، فقد قال المحتج له: إن أصل عدْلها وإن كان على ذلك فقد تكلم بها في معنى الأعداد المفردة، وعلى ذلك وقع النسب إليها في الخُماسي والعُشاري، والنسب لا يصح إلا على هذا المعنى. وقد استدلوا بقوله: ضربت خماس ... البيت. وهذا غير العنى الذي ذهبوا إليه، وإنما هو اسم معدول عن خمسة، ولا مدخل للتكرير فيه. وقالوا في إنكارهم تخصيص سُداس من بين الأعداد: إن الأعداد إذا استولت في المعنى لم يحظر على ذكر أحدهما، ولو قال خُماس أو رُباع لكان الأمر واحداً، ولو بلغ العُشار لم يزده غيرَ فضْل الاستطالة، وليس على الشاعر إذا بالغ في وصف أن ينتهي الى الغاية، ولا يترك في الإفراط مذهباً؛ على أنه قد يجوز أن يكون قصد استيفاء الأسبوع فقال: أهي ليلة أم ستّ؛ مضافة إليها، ولم يرد به الحساب، فيحمل على ما يوجبه حكم الضّرْب، فيكون الواحد في الستة ستة، وإنما قال أواحدة هي أم ست في واحدة، فإذا جعلت الست في الواحدة على جهة الظرْف والوعاء صارت سبعاً. فهذا وجه قريب.
قال الخصم: قد صغّر الليلة ثم استطالها فقال: لُييْلَتنا المَنوطة بالتناد.
قال أبو الطيب: هذا تصغير التعظيم، والعرب تفعله كثيراً. قال لبيد:
وكلّ أناسٍ سوف تدخُل بينهم ... دوَيْهِيَةٌ تصفرّ منها الأنامل
أراد لطف مدخلها فصغّرها. وقال الأنصاري: أنا عُذيْقها المرجِّب،

الصفحة 458