كتاب الوساطه بين المتنبي وخصومه ونقد شعره

وقوله:
ولم تردّ حياةً بعد توليةٍ ... ولم تغِثْ داعياً بالويلِ والحرَبِ
قالوا: العرب لا تقول دَعا بالويل والحرب، وإنما يقال: دعا ويلَه؛ كما يقول دعا فلاناً. قال الله تعالى (لا تدْعو اليومَ ثُبوراً واحداً وادعوا ثُبوراً كثيراً) . فإنما يقال: دعا بكذا إذا طلب أن يؤتى بذلك الشيء؛ كقول الفرزدق:
دعوتُ بقُضبانِ الأراك التي جَنى ... لها الرّكْبُ من نُعمان أيام عرّفوا
وتداعوا بشعارهم، ودعا لكذا، أي من أجله، فقال أبو الطيب: يقال دعا للقتال وللخير وللشعر ولما به، أي إليه. ومن أجله قال طرفة:
وإن أُدْع للجُلّى أنْ من حُماتِها ... وإن يأتك الأعداءُ بالجهْدِ أجهَدِ
ويقال: دعا باللَّهَف وبالويل والحرَب بيا، وأيا؛ لأنه لفظ الداعي. وقال ذو الرمة:
تداعيْن باسم الشِّيب من متثلِّمٍ ... جوانبهُ من بصرةٍ وسِلام
وقال الراعي:
إذا ما دعت شيباً بجنَبِ عُنيزَة ... مشافرُها في ماء مُزنٍ وباقِلِ
وقال:
دعا الداعي بحيّ على الفلاح
وقال عنترة:
دعاني دعوةً والخيلُ تردي ... فما أدري أبِسْمي أم كَناني
وإنما يقال: دعا بكذا إذا أمر أن يؤتى به، لأنه ذكر اسمه. والذي ناله أبو الطيب محكيّ عن العرب، معروف عند أهل العلم، فإذا أراد ذكر المدعوّ قال: دعوته، وإذا أراد ما يلفظ به قال: دعا بكذا وكذا، وعلى هذا بيتُ عنترة، وقول الآخر:

الصفحة 460