كتاب الوساطه بين المتنبي وخصومه ونقد شعره

وقد سمعت رواة الشاميين يذكرون أنه أنشدهم قديماً القُنوع ثم غيّر الإنشاد، ورجع الى القناعة، ثم إن القنوع بمعنى القناعة محكيّة عن العرب، وإن لم تكن مشهورة، وقد ذكرها أهل اللغة، وحكَوا عن أوس بن الحارث الطائي أنه أوصى ابنَه، فقال في بعض وصيته: خير الغنى القنوع وشر الفقر الخُضوع. ولا يحتمل معنى القُنوع هنا في هذا الكلام إلا الرضا والقناعة. وقوله:
واحرّ قلباه ممّن قلبُه شَبم
فألحق الهاء في قلباه. قالوا: وإنما تلحَقُ في الوق لخفاء الألف فتبين بها، فإذا وصلت حذفت.
قال المحتج: هذا هو الأكثر عند العرب، والاختيار عند النحويين، غير أنه ليس على الشاعر عيب في اتباع اللفظة النادرة إذا رَواها الثقاة، ومتى وُجدت الرواية عن ثقة لم يُحظَر على الشاعر قبولها، والعمل بها لأجل اختلاف النحويين، وقد أجاز الفراء وغيره إلحاقَ هذه الهاء في الوصل، وروي فيه:
يا ربِّ يا ربّاه إياك أسل ... عفواً أيا ربّاه من قبل الأجَل
وأنشدوا:
يا مرحباه بحمار ناجية
وأنشدوا للمجنون:
فقلت أيا ربّاه أوّل سؤلتي ... لنفسيَ ليلى ثم أنت حسيبها
وقد قال أبو زيد في بيت امرئ القيس:
وقد رابني قولُها يا هَناه ... ويْحك ألْحَقت شراً بشر
إن هذه الهاء هاء الوقف، وخالفه جُلّ النحويين؛ ففي هذه الأبيات عذر واضح

الصفحة 463