كتاب الوساطه بين المتنبي وخصومه ونقد شعره

قال المحتج: قد جاء عن العرب وصفُ الماء باليَبَس. قال بشر يصف خيلاً:
تراها من يَبيس الماء شُهْباً ... مُخالِطُ درّةٍ فيها غِرار
قالوا: وقد استعار الجموس في الماء ذو الرمة فقال:
ونقْري سَديفَ اللّحم والماء جامس
قال الخصم: أما يبيس الماء فإن العلماء رووا عن العرب أنها تُسمى العرب يَبيس الماء، فليس هو من هذا الباب بسبيل، وأما بيت ذو الرمة فقد ردّه الأصمعي، وعاب ذا الرمة به.
قال المحتج: أما تسميةُ العرَق يبيسَ الماء فلسْنا ندفعه؛ غير أنّ هذا البيت يشهد بخلاف ما قلتم؛ لأنه جعلها شُهباً، والعرق لا يغير ألوانه، وإنما أراد ما جمَد من الماء عليها، وبيت ذي الرمّة صحيح عنه، وهو حجة تلزُم الأصمعي وغيرَه. وهل ينكر الأصمعي ذلك إلا برواية عن العرب؟ ومتى ثبتت الرواية عن موثوق بفصاحته فقد وجب التسليم له.
وقوله:
تفكُّرُه علمٌ ومنطقُه حُكمٌ ... وباطنُه دينٌ وظاهرُه ظرْفُ
قالوا: خرج عن الوزن لأنه لم يجئ عن العرب مفاعلن في عروض الطويل غير مصرّع.
قال المحتج: إنما جاءالبحر على مفاعيلن، وليس يُحظَر على الشاعر إجراؤه على الأصل، وقد جاء عن العرب مفاعيلن في المصرّع، وما خرج عن الوزن لم يحتمله

الصفحة 467