كتاب الوساطه بين المتنبي وخصومه ونقد شعره

المصرّع ولا غيره. قال امرؤ القيس:
ألا انعَمْ صباحاً أيها الطلَلُ البالي ... وهل ينْعمنْ من كان في العُصُرِ الخالي
فجاء بالعروض على مفاعيلن لمّا صرع. قالوا: وقد جاء في شعر المحدَثين ما أجروا فيه غير المصرّع مُجرى المصرّع، فقال شاعرهم:
فالوجه مثل الصبح مُبيضّ ... والشعرُ مثل الليل مسودُّ
وأبو الطيب أعذر من هذا، لأنه جرى على أصل البحر في الدائرة. وقد حرى أبو تمام الى ما هو أقبح من الأمرين، فصرّع المِصراع في قوله:
يقول فيُسمِع، ويمشي فيسرعُ ... ويضرب في ذات الإله فيوجِع
وعلى مثل هذا الطريق يعاب أبو الطيب بقوله:
إنما بدْرُ بنُ عمارٍ سحابٌ ... هطِلٌ فيه ثَوابٌ وعِقابُ
فإنه أخرج الرّمَل على فاعلاتن في العروض، فأجْرى على ذلك جميع القصيدة في الأبيات الغير مُصرّعة، وإنما جاء الشعر منه على فاعِلن؛ لكن أصله في الدائرة فاعلاتن، وإن كان غير محفوظ عن العرب.
وقوله:
ولعلّي مؤمِّلٌ بعضَ ما أبْ ... لُغُ باللُطْفِ من عزيزٍ حميدِ
قالوا: تمنى أن يؤمّل بعض ما يبلغ، وهذا لا يليق بالكلام، وإنما وجهه أن يقول: ولعلي بالغ بعض ما أؤمّل.
قال المحتج: قد يجوز أن يكون أراد: لعلي أبلغ آمالي، وأيد عليها بلطف الله تعالى حتى يكون ما أؤمله بعضَ ما أصل إليه، وهذا غير مُستنكر.

الصفحة 468