كتاب الوساطه بين المتنبي وخصومه ونقد شعره

وقوله:
وعذلْتُ أهلَ العِشقِ حتّى ذُقتُه ... فعجِبْت كيف يموت من لا يعشقُ
قالوا: صعوبة العشق وشدته على أهله لا توجب ألا يموتَ من لا يعشق فيعجب منه، وإنما يقتضي أن كلّ من يعشق يموت؛ وكأنه أراد: كيف لا يعرف من يعشق! فذهب عن مُراده.
قال بعض من يحتج عن أبي الطيب: إنه خرج مخرج القلْب، وهو كثير في شعر العرب، ومنه قول الأعشى:
وكل كميت كأنّ السّلي ... ط في حيثُ وارى الأديمُ الشِّعارا
يريد: حيث وارى الشّعار الأديمَ، فقلب الكلام. وكقول الأخطل:
مثلُ القنافِذِ هدّاجون قد بلغَتْ ... نَجرانَ إن بلغت سوءَاتهم هجَرُ
يريد بلغت سوءاتهم هجَر. وقال الشماخ:
منه ولدت ولم يؤْشَب به حسبي ... ليّا كما عُصِبَ العِلْباء بالعودِ
أراد كما عصب العود بالعلباء. وقال آخر:
أسلمته في دمشق كما ... أسلمت وحشية وهَقا
أراد كما أسلم وهَقٌ وحشية. وقال آخر:
كان الزّناء فريضة الرجم
أراد كأن الرجم فريضة الزناء، ومثل هذا كثير.

الصفحة 469