كتاب مجلة لغة العرب العراقية (اسم الجزء: 6)

لكن فساد مفردات اللغة لم يبدأ إلا لما شرع المعلم بطرس البستاني في تصنيف ديوانه الكبير محيط المحيط، فحينئذ جاءت تلك الأوهام والأغلاط كالسيل المنهمر من عل، جاحفا في سيره أصول العربية وفروعها. فشوه كل ما مر به غير محترم أقوال المصنفين. ولا
جرم أنه لم يعتمد ذلك. حاشا لله أن أقول ذلك، إنما أنا انظر إلى العاقبة واحكم على ما أشاهده، فإنه اضر بلغتنا أكثر مما نفعها. وهذا معجمه بأيدينا، لو وزنت ما فيه من المساوئ والمعايب والمغامز والأوهام والهنات. وتجسمت تجسم المحسوسات، لقام في وجهك كالجبال التي لا تتزعزع ولا تزال.
وذنب المؤلف أنه نقل كتابه عن معجم فريتغ وهو في اللغتين العربية واللاتينية، والظاهر أنه كان يشدو اللاتينية ولا يعرف منها إلا الذرء فخبط وخلط، وجاءنا بذاك النتاج الجامع بين الحسنات والسيئات على اغرب وجه وأعجبه.
ولما كان هذا المعجم سهل التناول اقبل على شرائه ومطالعته أبناء العصر ولا سيما المؤلفون منهم والمصنفون والصحفيون فكانت عثراتهم لا تقال، وأصبحت أوهامهم داء عضالا. ثم جاءت بعده مصنفات الآباء اليسوعيين من معاجم عربية فرنسية وفرنسية عربية، وعدا وراء الكل الشيخ سعيد الشرتوني والجميع يأتمون بالمعلم بطرس البستاني. وقد أصبح لهم ولكل من جاء بعده الدليل الوحيد فأصبحت الأغلاط من الشائنات غير الزائلات وهكذا أخذت اللغة تسير في وجه غير وجهها فتفسد شيئا بعد شئ، وتتحكم تلك الأغلاط في النفوس والأقلام وليس من يقوم وينبه على تلك الفظائع الشنيعة.
كنا نفكر في معالجة هذا الداء الوبيل ونتطلب وسيلة لصد السيل الجحاف أو لإيقافه عند حده. إذ قيل لنا أن الشيخ عبد الله البستاني يصنف معجما يكون جامعا للحسنات ومزيلا للسيئات ودواء للادواء، فاستبشرنا خيرا وكنا على أحر من الجمر لرؤية تلك الدرة النفيسة، قاصدين نشر حسناتها وأذاعتها على رؤوس الملا. لكن ما يكاد يصل إلى أيدينا المعجم ونتصفح صفحات منه حتى انقلبنا آسفين على ما برز من قلم الأستاذ الكبير. فانه لم يكتف بتدوين أغلاط من تقدمه من المحدثين، ولا سيما أغلاط المعلم بطرس البستاني والشيخ سعيد الشرتوني -

الصفحة 129