كتاب مجلة لغة العرب العراقية (اسم الجزء: 6)

الأذهان، لأن الناس إذا اجتمعوا للأمور الدينية في موطن، لا يمكنهم أن يبقوا طويلا في الدعاء والصلاة والابتهال بل يستريحون من وقت إلى وقت وفي استراحتهم يندفعون إلى الملاهي والألعاب وشؤون الأنس، وهذا ما يقع في جميع البلاد وفي جميع الأديان. إلا نعلم أن كثيرا من الملاهي اصلها من المجتمعات الدينية؟ أو ليس أصحاب الفساد ينتهزون فرص النتديات
والمحتشدات ليلهوا أنفسهم بما يحضره الدين؟ وما يقع اليوم وسوف يقع إلى آخر الدنيا، كان يقع في سابق العهد. وهذه سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا.
ومن المعنى المذكور نشأ فرع وهو: محل لهذه الألعاب أو الميدان: والميدان عندهم محل واسع مفروش بالرمل وحوله مقاعد للناظرين فينزل في ساحته المصارعون والمتروضون واللاعبون أنواع الألعاب. ولم يسم ميدانا إلا لما فيه من الرمل فكان أرض تلك المساحة تمتد بمن عليها في أثناء اللعب. - وهانحن أولاء بين يدي معنى جديد هو الميدان وألعاب الميدان، وهذه الألعاب كانت كثيرة العدد منها: الملاكمة والمصارعة وفيها الهجوم والدفاع، والكر والفر، الفتك والصد. ولقد بقي في لغتنا هذا المعنى وهو قولنا: حجن فلان فلانا عن كذا: إذا صده وصرفه. وحجن الشيء: جذبه بالمحجن إلى نفسه. والمحجن هو العصا المنعطفة الرأس كالصولجان وكل معطوف معوج. ولعب المحجن معروف عندنا الآن ويعرف بلعب الدرك (مثل السكر) وكان معروفا عند الهلنيين ويلعبون في ذلك الميدان الذي أشرنا أليه.
إذن من معاني الحجون عندهم وعندنا الميدان وألعاب الميدان بأنواعها، إلا أن هذا المعنى مات عندنا واضمحل وبقي منه آثار في معنى الحجن والمحجن ولعب المحجن.
5 - المعنى الثالث للحجون
لم يقف المعنى عند الميدان وألعابه، بل أنتقل إلى معنى ثالث هو المصارعة أو المحاربة أو الغزو أن بالأسلحة وأن بالكلام أو بإقامة الدعاوى. ولقد نرى أثر هذا المعنى أيضاً في لغتنا إذ من معاني الحجون فيها: كل غزوة تظهر غيرها ثم تخالف إلى غير ذلك الموضع ويقصد أليها. فهذه حقيقة من

الصفحة 46