كتاب مجلة لغة العرب العراقية (اسم الجزء: 6)

غير شاعره وشعراء لم يأنفوا من اغتصاب ثمرة مجهود غيرهم الفرزدق يغتصب قول جميل:
ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا ... وإن نحن أومأنا إلى الناس
وجرير ينتحل قول العملوط السعدي:
أن الذين غدوا بلبك غادروا ... وشلا بعينك لا يزال معينا!
غيضن من عبراتهن وقلن لي ... ماذا لقيت من الهوى ولقينا؟!
وينتحل أيضاً قول طفيل الغنوي:
ولما التقى الجمعان ألقيت العصا ... ومات الهوى لما أصيبت مقاتله!
وكان أبو نواس يبني أكثر شعره على معاني غيره: يدل ذلك على ما جاء في (الأغاني) من أن اسحق الموصلي انشد شعرا لأبي الهندي في صفة الخمر فاستحسنه وقرظه فذكر عنده أبو نواس فقال: ومن أين أخذ أبو نواس معانيه إلا من هذه الطبقة وجعل ينشد بيتا بيتا من شعر أبي الهندي ثم يستخرج المعنى والموضع الذي سرق الحسن فيه حتى أتى على الأبيات كلها واستخرجها من شعره. وذكر صاحب (الأغاني) أيضاً أن قول أبي نواس: (وداوها بالتي كانت هي الداء) مأخوذ من قول الأعشى: (وأخرى تداويت منها بها) وإن قوله: (أن الشباب مطية الجهل) مأخوذ من قول النابغة الجعدي: (فأن مطية الجهل الشباب) ولكنه أبو نواس شاعر الخلفاء والمشهود له بالفضل بين جمهرة العلماء. . .!! وهكذا ظلت هذه العيوب لاصقة بالشعر حتى يومنا هذا ولم يجرؤ أحد من شعراء نهضتنا الحالية على مناوأتها والقضاء عليها غير نفر قليل وعندما حبب إلى (أمير الشعراء) شوقي) التجديد نهاه عن ذلك (آفة اللغة الجامدون) وأغروه بأماني أسرت لبه وصادفت هوى في نفسه فرجع إلى القديم من الشعر يتوكأ عليه ويحتذيه والى الغريب من اللفظ يفسد به شعره والى الحكم المعادة والأمثال البائدة (يحشرها) في كل قصيدة من قصائده ليكون حافظ اللغة وحجتها ولو علم لترك شاعريته تنمو وبيانه ينطق بما يعتقد ولم يسمع لهؤلاء الذين أخمدوا قريحته
وحادوا به عن الجادة ولكن ما الحيلة والله لم يرد إلا أن يكون كذلك؟!

الصفحة 679