كتاب مجلة لغة العرب العراقية (اسم الجزء: 6)

بل للنسبة أو الإضافة: إذن معنى الفنان صاحب الفنان وممارسه قال سيبويه (2: 900 من طبعة مصر): هذا باب من الإضافة تحذف فيه ياءي الإضافة وذلك إذا جعلته صاحب شيء يزاوله، أو ذا شيء. أما ما يكون صاحب شيء يعالجه، فإنه يكون فعالا. وذلك قولك لصاحب الثياب ثواب، ولصاحب العاج عواج. . . وللذي يعالج الصرف: صراف، وذا أكثر من أن يحصى. . . أهـ. فالفنان: الذي يعالج الفناء ويزاوله. ويكاد يكون هذا الوزن للثلاثي قياسيا لكثرة ما ورد منه، فاستعماله لا غبار عليه واتخاذ القياس يزيد اللغة ثروة ويؤدي معاني لم يعرفها السلف ومن الضروري الرجوع إليه كلما احتجنا إلى وضعه.
على أننا نخير هنا على الفنان: الفتان (بتاء مثناة مشددة في الوسط) وقد استعملها الأقدمون منا. قال في الأغاني (1: 256) وهو يذكر قول عطاء بن أبي رباح لابن سريج. (يا فتان) ألا تكف عما أنت عليه. . . تفتنهم أغانيك الخبيثة. . .) أه. وأنت تعلم أن ابن سريج كان فتانا في فنه الغنائي ولهذا قال له يا فتان. - ولذلك سمينا دائما الفنون التي تأخذ القلب
(بالفتانة) وهي أحسن من سائر الألفاظ التي استعملت كالفنون الجميلة والمستظرفة والرفيعة والأثيلة والناضرة والبديعة إلى غيرها. فهذه كلها لم يتخذها السلف وهي من سيئ التعريب من كلام الإفرنج وإن ادعى بعضهم أنهم استعملوها. فالغناء والشعر والنقش والنحت والموسيقى كلها من الفنون الفتانة.
وحكة الزجاجي في أماليه يسنده عن الأصمعي قال: حدثنا عمر بن أبي زائدة قال: حدثتني أم عمرو بنت الأهتم قالت: مررنا ونحن جوار بمجلس فيه سعيد بن جبير. ومعنا جارية تغني بدف معها، وتقول:
لئن فتنتني لهي بالأمس افتنت ... سعيدا فأمسى قد قلا كل مسلم
وألقى مصابيح القراءة واشترى ... وصال الغواني بالكتاب المتمم
فقال سعيد: كذبتن، كذبتن، أهـ. وراجع التاج في فتن.
فانظر كيف أن المغنية ناقرة الدف استعملت لفظة صورت بها حقيقة فتن إتقان الفناء لمن يقدره حق قدره.
وللفتان معان عديدة كلها تصح لمقابلة الإفرنجية لأن السحر نفسه من فنون الإفتان. وهذه المعاني لا تراها في الفنان (بثلاثة نونات). فاختر من

الصفحة 790