كتاب مجلة لغة العرب العراقية (اسم الجزء: 8)

عيني ومدار استنادي بني علي:
اعف عني من أجل الجناية التي ارتكبتها، لأني سئمت هذه الحياة وضجرت منها، لم أر
من حياتي لذة ولا ذوقاً ولا شرفاً، الأمة تنتظر الخدمة، الإنكليز لا يوافقون، ليس لي ظهير، العراقيون الذين يطالبون الاستقلال ضعفاء وعاجزون وبعيدون كثيراً عن الاستقلال، هم عاجزون عن تقدير نصائح أمثالي من أصحاب الشرف، يظنونني خائناً للوطن وعبداً للإنكليز، ما أعظم هذه المصيبة! أنا الفدائي لوطني الأكثر إخلاصاً قد صبرت على أنواع الإهانات وتحملت أنواع المذلات، وما ذلك إلا من أجل هذه البقعة المباركة التي عاش فيها آبائي وأجدادي مرفهين.
يا بني أن نصيحتي الأخيرة لك هي:
(1) أن ترحم أخوتك الصغار الذين سيبقون يتامى، (وتحترم والدتك) وتخلص لوطنك.
(2) أن تخلص للملك فيصل وذريته إخلاصاً مطلقاً.
أعف عني يا بني علي!
عبد المحسن السعدون
وكان رحمه الله قد أرسل إلى نجله علي بك في النهار عينه بكتابين آخرين مسجلين ولكن أحدهما كان من الآنسة عائدة ابنته الكبرى.
6 - الانتحار
بعد كتابة الكتاب خرج - رحمه الله - من مكتبه وأخذ يصعد إلى الطابق الأعلى، فرأته حضرة قرينته يمشي ويصعد منزعجاً انزعاجاً غريباً، وقالت بعد الفاجعة ما ملخصه:
(ما رأيته قط يمشي مثل تلك المشية، فساورني الرعب فتبعته إلى غرفة النوم فرأيته (يحشو) المسدس! فركضت مسرعة إليه وقلت له: أواه! ماذا تعمل؟ ولأي سبب تعمل هذا؟ فقال لي: دعيني! قلت: لا والله لا يمكن أن أدعك! فان كنت تريد أن تعمل شيئاً فاقتلني، اقتلني أولاً يا سيدي!. . . قال: دعيني وإلا قتلتك!. . . فصحت به مذعورة باكية: اقتلني! وقبضت على يده فحاول التملص مني، وتوجه إلى باب الشرفة (البالكون) فأوشك أن يصل الشرفة وأنا ماسكة يده اليسرى، وفي اعتقادي أني مانعته بهذه المسكة. ولكن - ويا للأسف - كان المسدس في جيبه الأيمن وهو قابض عليه بيمناه وأنا غائبة عن رشدي، وما أفقت إلا وصوت الطلقة النارية يدوي في الشرفة وكانت رجله الواحدة في الغرفة والأخرى في
الشرفة، فوقع على الحضيض!)

الصفحة 7