كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

والله أعلم بهذه المحالِّ منكم. فلو (¬١) كانت الذوات متساويةً كما قال هؤلاء لم يكن في ذلك ردٌّ (¬٢) عليهم.
وكذلك قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [الأنعام: ٥٣] أي هو سبحانه أعلم بمن يشكره على نعمته، فيخُصُّه بفضله ويمُنُّ عليه، ممن لا يشكره. فليس كلُّ محلٍّ يصلح لشكره، واحتمال منته، والتخصيص بكرامته.
فذواتُ ما اصطفاه الله واختاره (¬٣) من الأعيان والأماكن والأشخاص وغيرها مشتملةٌ على صفات وأمور قائمة بها ليست في غيرها، ولأجلها اصطفاها الله، وهو سبحانه الذي خصَّها (¬٤) بتلك الصفات؛ فهو الذي أعطاها الصفات (¬٥)، وخصَّها بالاختيار. فهذا خلقه، وهذا اختياره. {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص: ٦٨].
وما أبيَنَ بطلانَ رأي يقضي بأنَّ مكانَ البيت الحرام مساوٍ لسائر الأمكنة، وذاتَ الحجر الأسود مساوية لسائر حجارة الأرض، وذاتَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مساوية لذات غيره؛ وإنما التفضيل في ذلك بأمور خارجة عن الذات
---------------
(¬١) ق، مب، ن: «ولو».
(¬٢) ما عدا ق: «ردًّا»، وهو لحن لا يزال شائعًا، أعني: نصب اسم «كان» إذا كان خبرها شبه جملة.
(¬٣) ما عدا ص، ج: «اختاره الله واصطفاه»، ورجَّحت ما أثبت لتقديم المؤلف الاصطفاء على الاختيار قبل قليل وفيما يأتي.
(¬٤) ق، مب، ن: «فضَّلها»، وقد ذكرت هذه النسخة في حاشية ع.
(¬٥) «فهو ... الصفات» ساقط من النسخ المطبوعة.

الصفحة 31