كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

وبهذا (¬١) يُعلَم عنوانُ سعادة العبد وشقاوته، فإنَّ الطيِّبَ لا يناسب (¬٢) إلا الطيِّبَ، ولا يرضى إلا به. ولا يسكن إلا إليه، ولا يطمئن قلبه إلا به. فله من الكلِم (¬٣) الكلِمُ الطيِّب الذي لا يصعد إلى الله إلا هو. وهو أشدُّ شيء نفرةً عن الفحش في المقال، والتفحُّش واللسان البذيء، والكذب والغيبة والنميمة، والبَهْت وقول الزور، وكلِّ كلام خبيث.
وكذلك لا يألف من الأعمال إلا أطيبها. وهي الأعمال التي اجتمعت على حسنها الفِطَر السليمة مع الشرائع النبوية، وزكَّتها العقول الصحيحة، فاتفق على حسنها الشرع والعقل والفطرة، مثل أن يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا، ويؤثر مرضاته على هواه، ويتحبَّب إليه بجهده، ويحسن إلى خلقه ما استطاع، فيفعل بهم ما يحبُّ أن يفعلوه (¬٤)، ويعاملهم بما يحبُّ أن (¬٥) يعاملوه به، ويدَعهم مما يحبُّ أن يدَعوه منه، وينصحهم بما ينصح به نفسه، ويحكم لهم بما يحبُّ أن يحكم له به، ويحمل أذاهم ولا يحمِّلهم أذاه، ويكُفَّ عن أعراضهم ولا يقابلهم بما نالوا من عرضه. وإذا رأى لهم حسنًا أذاعه، وإذا رأى لهم سيئًا كتمه، ويقيم أعذارهم ما استطاع فيما لا يبطل شريعةً، ولا يناقض لله أمرًا ولا نهيًا.
وله من الأخلاق أيضًا أطيبها وأزكاها، كالحلم والوقار والسكينة،
---------------
(¬١) ك، ع: «فبهذا».
(¬٢) غيَّره بعضهم في ص إلى «يناسبه»، كما في مب، ن.
(¬٣) ج، ق: «الكلام».
(¬٤) بعده في ن: «به».
(¬٥) «يعاملهم بما يحبُّ أن» ساقط من طبعة الرسالة.

الصفحة 46