كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

والدليل على ذلك مجيئهم باللام، فيقولون: ما أضرب زيدًا لعمرو. ولو كان باقيًا على تعدِّيه لقيل: ما أضرب زيدًا عمرًا، لأنه متعدٍّ إلى واحد بنفسه، وإلى الآخر بهمزة التعدية؛ فلما أن عدَّوه إلى المفعول بهمزة التعدية عدَّوه إلى الآخر باللام. فهذا هو الذي أوجب لهم أن قالوا: إنهما لا يصاغان إلا من فعل الفاعل، لا من الواقع على المفعول.
ونازعهم في ذلك آخرون، وقالوا: يجوز صوغهما من فعل الفاعل، ومن الواقع على المفعول وكثرةُ السماع به من أبين الأدلة على جوازه. تقول العرب: ما أشغله بالشيء، وهذا من شُغِل فهو مشغول. وكذلك يقولون: ما أولعه بكذا، وهذا من أُولِعَ بالشيء فهو مُولَعٌ، مبنيٌّ للمفعول ليس إلا. وكذلك قولهم: ما أعجبه بكذا، هو من أُعجِبَ به. ويقولون: ما أحبَّه إليَّ، هو تعجُّب من فعل المفعول، وكونه محبوبًا لك. وكذا: ما أبغَضَه إليَّ، وأمقَتَه إليَّ.
وهنا مسألة مشهورة ذكرها سيبويه (¬١)، وهي أنك تقول: ما أبغضني له، وما أحبَّني له، وما أمقتني له: إذا كنت أنت المبغِض الكاره، والمحِبَّ والماقت (¬٢)، فتكون متعجِّبًا من فعل الفاعل. وتقول: ما أبغضني إليه، وما أمقتني إليه، وما أحبَّني إليه: إذا كنت أنت البغيض الممقوت أو المحبوب، فيكون تعجُّبًا من الفعل الواقع على المفعول. فما كان باللام فهو للفاعل، وما كان بـ «إلى» فهو للمفعول.
---------------
(¬١) في «الكتاب» (٤/ ٩٩ - ١٠٠).
(¬٢) ك، ع: «والمحب الماقت».

الصفحة 77