كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 3)

حكاه ابنُ سعد قد تضمن زيادة أمرٍ خفي على ابن إسحاق، وابنُ إسحاق لم يذكر من حدَّثه ومحمد بن سعد أسند ما حكاه إلى المُطَّلِب بن عبدِ الله بن حَنْطَب (¬١)، فاتفقت الأحاديث وصدَّق بعضُها بعضًا، وزال عنها الإشكال، ولله الحمد والمنة.
وقد ذكر ابن إسحاق (¬٢) في هذه الهجرة إلى الحبشة أبا موسى الأشعري عبدَ الله بن قيس، وقد أنكر ذلك عليه أهلُ السير، منهم: محمد بن عمر الواقدي (¬٣) وغيره، وقالوا: كيف يخفى ذلك على ابن إسحاق أو على من دونه؟!
قلت: وليس ذلك مما يخفى على من هو دون محمد بن إسحاق فضلًا عنه، وإنما نشأ الوهم أن أبا موسى هاجر من اليمن إلى أرض الحبشة إلى عند جعفر (¬٤) وأصحابه لما سمع بهم، ثم قدم معهم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخيبر، كما جاء مصرحًا به في «الصحيح» (¬٥)، فعدَّ ذلك ابنُ إسحاق لأبي
---------------
(¬١) بل إلى التابعي الفقيه أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي. وأما المطلب بن عبد الله بن حنطب فأسند إليه قصة سبب رجوع المهاجرين من أرض الحبشة. انظر: «الطبقات» (١/ ١٧٤) و «سيرة الدمياطي» (ق ٣٠).
(¬٢) كما في «سيرة ابن هشام» (١/ ٣٢٤) في جملة من هاجر إلى الحبشة.
(¬٣) لم أجد كلام الواقدي في الإنكار عليه. وانظر: «الطبقات» لابن سعد (٤/ ٩٨ - ٩٩) و «الاستيعاب» (٣/ ٩٧٩ - ٩٨٠).
(¬٤) «إلى عند» شائع في كلام المؤلف وشيخه، وقد عُدَّ لحنًا كما في «درَّة الغوَّاص» (١٩).
(¬٥) البخاري (٣١٣٦) ومسلم (٢٥٠٢) من حديث أبي موسى، وفيه أنه هو ورهطه الأشعريّون إنما خرجوا من اليمن مهاجرين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكن ألقتْهم سفينتُهم إلى أرض الحبشة، فأقاموا هناك مع جعفر وأصحابه حتى قدموا جميعًا حين افتتح خيبر.

الصفحة 34