كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 3)

فصل
في هديه في الجهاد والغزوات (¬١)
لمَّا كان الجهاد ذِروةَ سنام الإسلام وقُبَّتَه، ومنازِلُ أهله أعلى المنازل في الجنة كما لهم الرفعة في الدنيا، فهم الأعلون في الدنيا والآخرة= كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الذروة العليا منه، فاستولى على أنواعه كلها، فجاهد في الله حقَّ جهاده بالقلب والجَنان، والدعوة والبيان، والسيف والسِّنان (¬٢)، فكانت ساعاته موقوفةً على الجهاد بقلبه ولسانه ويده، ولهذا كان أرفعَ العالمين ذكرًا وأعظمَهم عند الله قدرًا.
وأمَره الله تعالى بالجهاد من حين بعثه فقال: {(٥٠) وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (٥١) فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا} [الفرقان: ٥١ - ٥٢]. فهذه سورة مكية أُمِر فيها بجهاد الكفار بالحجة والبيان وتبليغ القرآن.
وكذلك جهاد المنافقين إنما هو بالحجّة (¬٣)، وإلا فهُم تحت قهر أهل الإسلام؛ قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التوبة: ٧٣]، فجهاد المنافقين أصعب من جهاد الكفار، وهو جهاد خواصِّ الأمة وورثةِ الرُّسل، والقائمون به أفرادٌ في
---------------
(¬١) طبعة الرسالة: «في الجهاد والمغازي والسرايا والبعوث» خلافًا للأصول الخطية والطبعات السابقة.
(¬٢) ص، ز: «واللسان»، تصحيف.
(¬٣) المطبوع: «بتبليغ الحجة»، والمثبت من الأصول.

الصفحة 5