كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 4)

أحدهما: أنَّ المنَّ الذي أنزل على بني إسرائيل لم يكن هذا الحلو فقط بل أشياء كثيرةً منَّ الله عليهم بها من النَّبات الذي يوجد (¬١) عفوًا من غير صنعةٍ ولا علاجٍ ولا حرثٍ. فإنَّ المنَّ مصدرٌ بمعنى المفعول، أي ممنونٌ به. فكلُّ ما رزقه الله العبدَ عفوًا بغير كسبٍ منه ولا علاجٍ فهو منٌّ من (¬٢) الله تعالى عليه، لأنه لم يشُبْه كسبُ العبد، ولم يكدِّره تعبُ العمل. فهو (¬٣) منٌّ محضٌ، وإن كانت سائر نعمه منًّا منه على عبده، فخصَّ منها ما لا كسب له فيه ولا صنع باسم «المنِّ» فإنَّه منٌّ بلا واسطة العبد. وجعل سبحانه قوتهم بالتِّيه الكمأة وهي تقوم مقام الخبز، وجعَل أُدمهم السَّلوى وهو يقوم مقام اللَّحم، وجعل حلواهم الطَّلَّ الذي ينزل على الأشجار يقوم لهم مقام الحلوى= فكمل عيشهم.
وتأمَّل قوله - صلى الله عليه وسلم -: «الكمأة من المنِّ الذي أنزله الله على بني إسرائيل» فجعَلها من جملته، وفردًا من أفراده. والتَّرَنْجَبين الذي يسقط على الأشجار نوعٌ من المنِّ، ثمَّ غلب استعمال المنِّ عليه عُرفًا حادثًا.
والقول الثَّاني: أنَّه شبَّه الكمأة بالمنِّ المنزَّل من السَّماء، لأنَّه يُجمَع من غير تعبٍ ولا كلفةٍ، ولا زرع بزرٍ ولا سقيٍ (¬٤).
---------------
(¬١) ز، س، ن: «يؤخذ».
(¬٢) هكذا ضبط في حط، ل. وفي س، ن ضبط: «مِن منِّ».
(¬٣) العبارة: «منٌّ من الله ... فهو» ساقطة من طبعة الرسالة.
(¬٤) وهذا قول أبي عبيد وغيره. انظر: «أعلام الحديث» (٣/ ١٨٠٠)، و «شرح البخاري» لابن بطال (٩/ ٤١٣)، و «كشف المشكل» لابن الجوزي (١/ ٢٥٧ - ٢٥٨). وهنا انتهى النقل من كتاب الحموي.

الصفحة 535