كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 4)

فإن قلت: فإذا كان هذا شأن الكمأة، فما بال هذا الضَّرر فيها؟ ومن أين أتاها ذلك؟ فاعلم أنَّ الله سبحانه أتقن كلَّ شيءٍ صنَعه، وأحسن كلَّ شيءٍ خلَقه، فهو عند مبدأ خلقه بريءٌ من الآفات والعلل، تامُّ المنفعة لما هيِّئ وخُلِق (¬١). وإنَّما تعرض له الآفات بعد ذلك بأمورٍ أخرى من مجاورةٍ أو امتزاجٍ واختلاطٍ أو أسبابٍ أُخَر تقتضي فساده. فلو تُرك على خلقته الأصليَّة من غير تعلُّق أسباب الفساد به لم يفسد.
ومن له معرفةٌ بأحوال العالم ومبدئه يعرف أنَّ جميع فساده (¬٢) في جوِّه ونباته وحيوانه وأحوال أهله حادثٌ بعد خلقه، بأسبابٍ اقتضت حدوثه. ولم تزل أعمال بني آدم ومخالفتهم للرُّسل تُحدث لهم من الفساد العامِّ والخاصِّ ما يجلب عليهم من الآلام والأمراض والأسقام والطَّواعين، والقحوط والجدوب، وسَلْب بركات الأرض وثمارها ونباتها، وسَلْبِ منافعها، أو نقصانها= أمورًا متتابعةً يتلو بعضها بعضًا.
فإن لم يتَّسع علمك لهذا، فاكتفِ بقوله سبحانه: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم: ٤١] (¬٣)، ونزِّل هذه الآية على أحوال
---------------
(¬١) في ل بعده زيادة: «له» وكذا في طبعة الفقي. وهذه الزيادة ليست بلازمة، فالعائد يجوز حذفه إن جُرَّ بحرفٍ وجُرَّ الموصول بمثله لفظًا ومعنًى، كقوله تعالى: {وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ} أي مما تشربون منه.
(¬٢) هكذا في ن. وفي غيرها: «فساد»، وقد ضبط الدال في س بتنوين الكسرة. وكتب ناسخ ل «فساد العالم» ثم ضرب على لفظ «العالم»، وضبط الدال بتنوين الكسرة. وفي النسخ المطبوعة: «الفساد».
(¬٣) هنا انتهى الخرم في الأصل (ف).

الصفحة 536