كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 4)

ولمَّا احتُضِر الحارث اجتمع إليه النَّاس، فقالوا: مُرْنا بأمرٍ ننتهي إليه من بعدك (¬١)، فقال: لا تتزوَّجوا من النِّساء إلا شابَّةً. ولا تأكلوا الفاكهة إلا في أوان نضجها. ولا يتعالجنَّ أحدكم ما احتمل بدنُه الدَّاء. وعليكم بتنظيف المعدة (¬٢) في كلِّ شهرٍ، فإنَّها مذيبةٌ للبلغم، مهلكةٌ للمِرَّة، منبتةٌ للَّحم. وإذا تغدَّى أحدكم، فلينم على إثر طعامه (¬٣) ساعةً، وإذا تعشَّى فليمش أربعين خطوةً.
وقال بعض الملوك لطبيبه (¬٤): لعلَّك لا تبقى لي، فصِفْ لي صفةً آخذها عنك. فقال: لا تنكح إلا شابَّةً، ولا تأكل من اللَّحم إلا فتيًّا، ولا تشرب الدَّواء إلا من علَّةٍ، ولا تأكل الفاكهة إلا في نضجها، وأَجِدْ مضغ الطَّعام. وإذا أكلت نهارًا فلا بأس أن تنام، وإذا أكلت ليلًا فلا تنم حتَّى تمشي ولو خمسين خطوةً. ولا تأكلنَّ حتَّى تجوع، ولا تتكارهنَّ على الجماع، ولا تحبس البول،
---------------
(¬١) «من بعدك» ساقط من د.
(¬٢) كذا في جميع النسخ الخطية والمطبوعة. وفي «لقط المنافع» (٢/ ٤٢٢): «وعليكم بالنُّورة»، وكذا في «عيون الأنباء» (٢/ ١٨) و «محاضرات الأدباء» (١/ ٥٠٥). ولعل المؤلف استشكل أن تكون النورة سببًا لإذابة البلغم وغيرها فغيَّرها إلى ما ترى.
(¬٣) ز، حط، د، ن: «غدائه»، وكذا كتب في هامش الأصل وفوقه: «ص». ومثله في «لقط المنافع» وغيره.
(¬٤) في «لقط المنافع» (٢/ ٤٢٢): «قال الحجَّاج لطبيب له»، وآخر وصيته: « ... خمسين خطوة». ثم فيه: «وقال تياذوق للحجَّاج»، وآخر قوله: « ... يأخذ منك». ثم قال ابن الجوزي: «وأوصى تياذوق عبد الملك بن مروان، فقال: لا تأكلن» إلى آخره. فجمع المصنف الوصايا الثلاث في سياق واحد. وتَياذُوق هذا كان طبيبًا مختصًّا بخدمة الحجاج. انظر: «عيون الأنباء» (٢/ ٣٢ - ٣٥).

الصفحة 607