كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 5)
المذهب الثَّالث: أنَّ الفرقة لا تحصل إلا بتمام لعانهما وتفريق الحاكم. وهذا مذهب أبي حنيفة، وإحدى الرِّوايتين عن أحمد، وهي ظاهر كلام الخِرقي، فإنَّه قال (¬١): ومتى تلاعنا وفرَّق الحاكم بينهما لم يجتمعا أبدًا. واحتجَّ أصحاب هذا القول بقول ابن عبَّاسٍ في حديثه: ففرَّق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهما. وهذا يقتضي أنَّ الفرقة لم تحصل قبله. واحتجُّوا بأن عُويمرًا قال: كذبتُ عليها يا رسول الله إن أمسكتُها، فطلَّقها ثلاثًا قبل أن يأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬٢)، وهذا حجَّةٌ من وجهين، أحدهما: أنَّه يقتضي إمكانَ إمساكها. والثَّاني: وقوع الطَّلاق. ولو حصلت الفرقة باللِّعان وحده لما ثبت واحدٌ من الأمرين، وفي حديث سهل بن سعدٍ أنَّه طلَّقها ثلاثًا فأنفذه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. رواه أبو داود (¬٣).
قال المُوقِعون للفرقة بتمام اللِّعان بدون تفريق الحاكم: اللِّعان معنًى يقتضي التَّحريم المؤبَّد كما سنذكره، فلم يقف على تفريق الحاكم كالرِّضاع. قالوا: ولأنَّ الفرقة لو وقعت على تفريق الحاكم لساغ تركُ التَّفريق إذا كرهه الزَّوجان، كالتَّفريق بالعيب والإعسار.
قالوا: وقوله: فرَّق النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يحتمل أمورًا ثلاثةً؛ أحدها: إنشاء الفرقة. والثَّاني: الإعلام بها. والثَّالث: إلزامه بموجبها من الفرقة الحسِّيَّة.
وأمَّا قوله: «كذبتُ عليها إن أمسكتُها»، فهذا لا يدلُّ على أنَّ إمساكها بعد
---------------
(¬١) (ص ١١٦).
(¬٢) سبق تخريجه.
(¬٣) برقم (٢٢٥٠)، وكذا ابن حبان (٤٢٨٤، ٤٢٨٥) من طرق عن ابن شهاب عن سهل بن سعد، وسنده صحيح، وأصله في «الصحيحين» كما مرَّ.