كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 5)
فَسُرَّ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بقول القائف، ولو كانت كما يقول المنازعون من أمر الجاهليَّة كالكهانة ونحوها لما سُرَّ بها، ولا أُعجِبَ بها، ولكانت بمنزلة الكهانة، وقد صحَّ عنه وعيدُ من صدَّق كاهنًا.
قال الشَّافعيُّ (¬١): والنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أثبته علمًا ولم يُنكِره، ولو كان خطأً لأنكره؛ لأنَّ في ذلك قَذْف المحصنات ونَفْي الأنساب، انتهى.
كيف والنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - قد صرَّح في الحديث الصَّحيح بصحَّتها واعتبارها، فقال في ولد الملاعنة: «إن جاءت به كذا وكذا فهو لهلال بن أمية، وإن جاءت به كذا وكذا فهو لشَرِيك ابن سَحْماء»، فلمَّا جاءت به على شَبَهِ الذي رُمِيتْ به قال: «لولا الأيمانُ لكان لي ولها شأنٌ» (¬٢). وهل هذا إلا اعتبارٌ (¬٣) للشَّبه وهو عين القيافة، فإنَّ القائف يتبع أثرَ الشَّبه وينظر إلى من يتَّصل، فيحكم به لصاحب الشَّبه.
وقد اعتبر النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الشَّبه وبيَّن سببَه، ولهذا لمَّا قالت له أم سلمة: أَوَتَحتلمُ المرأة؟ فقال: «ممَّ يكون الشَّبه؟» (¬٤). وأخبر في الحديث الصَّحيح (¬٥) أنَّ ماء الرَّجل إذا سبقَ ماءَ المرأة كان الشَّبه له، وإذا سبقَ ماؤها ماءَه كان الشَّبه لها.
---------------
(¬١) انظر: «مختصر المزني» (ص ٣١٧).
(¬٢) سبق تخريجه.
(¬٣) د، ص، ز: «الاعتبار».
(¬٤) أخرجه البخاري (١٣٠، ٣٣٢٨، ٦٠٩١)، ومسلم (٣١٣).
(¬٥) أخرجه بنحوه البخاري (٣٣٢٩، ٣٩٣٨، ٤٤٨٠) من حديث أنس، ومسلم (٣١١) من حديث أم سلمة.