كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 5)

إنَّ وَطْءَ الثَّاني يزيد في سمع الولد وبصره، وقد شبَّهه النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بسَقْي الزَّرع (¬١)، ومعلومٌ أنَّ سَقْيه يزيد في ذاته، والله أعلم.
فإن قيل: فقد دلَّ الحديث على حكم استلحاق الولد، وعلى أنَّ الولد للفراش، فما تقولون لو استلحقَ الزَّاني ولدًا لا فِراشَ هناك يعارضه، هل يَلحقه نسبُه ويثبت له أحكام النَّسب؟
قيل: هذه مسألةٌ جليلةٌ اختلف فيها أهل العلم، فكان إسحاق بن راهويه يذهب إلى أنَّ المولود من الزِّنا إذا لم يكن مولودًا على فراشٍ يدَّعيه صاحبه، وادَّعاه الزَّاني= أُلحق به، وأَوَّل قولَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «الولد للفراش» على أنَّه حكم بذلك عند تنازع الزَّاني وصاحب الفراش، كما تقدَّم. وهذا مذهب الحسن البصريِّ، رواه عنه إسحاق بإسناده في رجلٍ زنى بامرأةٍ، فولدت ولدًا فادَّعى ولدَها، قال: «يُجلد ويَلزمه الولد» (¬٢). وهذا مذهب عروة بن الزُّبير وسليمان بن يسارٍ، ذكر عنهما أنَّهما قالا: أيُّما رجلٍ أتى إلى غلامٍ يزعم أنَّه ابنٌ له، وأنَّه زنى بأمِّه، ولم يدَّع ذلك الغلامَ أحدٌ، فهو ابنه (¬٣). واحتجَّ سليمان بأنَّ عمر بن الخطَّاب كان يُلِيطُ (¬٤) أولادَ الجاهليَّة بمن ادَّعاهم في
---------------
(¬١) في الحديث الذي أخرجه أبو داود (٢١٥٨) والترمذي وحسَّنه (١١٣١)، وابن حبان (٤٨٥٠) من حديث رُويفع بن ثابت - رضي الله عنه -.
(¬٢) حكاه عنه ابن قدامة في «المغني» (٩/ ١٢٣)، ونقله ابن مفلح في «الفروع» (٥/ ٤٠٢).
(¬٣) أخرجه الدارمي (٣١٤٨) من طريق بكير الأشج عنهما، وفي سنده عبد الله بن صالح، وهو صدوق كثير الغلط، وفيه ضعف، ولم أقف على أثر الحسن قبله.
(¬٤) أي: يُلحق وينسب.

الصفحة 583