كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 5)

عبدُ خير لم يشاهدْ ضَحِكَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -! وعليٌّ كان إذ ذاك باليمن، وإنَّما شاهد ضَحِكَه - صلى الله عليه وسلم - زيدُ بن أرقم أو غيره من الصَّحابة، وعبدُ خير لم يذكر مَن شاهدَ ضَحِكَه، فصار الحديث به مرسلًا. فيقال إذًا: قد صحَّ السَّند عن عبد خير عن زيد بن أرقم متَّصلًا، فمن رجَّح الاتِّصال لكونه زيادةً من الثِّقة فظاهرٌ، ومن رجَّح روايةَ الأحفظ والأضبط، وكان التَّرجيح من جانبه، ولم يكن عليٌّ قد أخبره بالقصَّة= فغايتها أن تكون مرسلةً، وقد يقوى الحديث بروايته من طريقٍ أخرى متَّصلًا.
وبعد، فاختلف الفقهاء في هذا الحكم، فذهب إليه إسحاق بن راهويه وقال: هو السُّنَّة في دعوى الولد، وكان الشَّافعيُّ يقول به في القديم، وأمَّا الإمام أحمد، فسئل عن هذا الحديث، فرجَّح عليه حديثَ القافة، وقال: حديثُ القافة أحبُّ إليَّ (¬١).
وهاهنا أمران، أحدهما: دخول القرعة في النَّسب، والثَّاني: تغريمُ من خرجت له القرعة ثُلثَي ديةِ ولدِه لصاحبيه.
فأمَّا القرعة فقد تُستعمل عند فقدان مرجِّحٍ سواها من بيِّنةٍ أو إقرارٍ أو قافةٍ، وليس ببعيدٍ تعيينُ المستحقِّ بالقرعة في هذه الحال، إذ هي غاية المقدور عليه من أسباب ترجيح الدَّعوى، ولها دخولٌ في دعوى الأملاك المرسلة التي لا تثبت بقرينةٍ ولا أمارةٍ، فدخولُها في النَّسب الذي يَثبتُ بمجرَّد الشَّبه الخفيِّ المستند إلى قول القائف أولى وأحرى.
وأمَّا أمر الدِّية فمشكلٌ جدًّا، فإنَّ هذا ليس بقتلٍ يُوجِب الدِّية، وإنَّما هو
---------------
(¬١) «مسائل الكوسج» (٤/ ١٦٦٧).

الصفحة 590