كتاب زوائد تاريخ بغداد على الكتب الستة (اسم الجزء: 6)

الولد، فإن انفصل ذكرًا أمسكته، أو أنثى ألقتها في الحفرة وأهالت عليها التراب، وكانت الجاهلية تفعله خوف إمْلَاقٍ أو عار. و (الموؤدةُ): قيل أراد بها هنا المفعولة لها ذلك وهي أُمُّ الطفل. ولو أريد البنت المدفونة لما اتضح ذلك. وهذا أولى من ادعاء أنَّه وارد على سبب خاص وواقعة معيَّنة لا يجوز إجراؤه في غيره، لأنَّه وإن ورد على ذلك، لا ينجعُ في التخلص عن الإشكال كما لا يخفى على أهل الكمال".
وقال العلَّامة السَّهَارَنْفُورِيّ في "بذل المجهود" (١٨/ ٢٥١): "ووجه كون الرائدة في النار بكفرها، والموؤدة تبعًا لأبويها، وَأَوَّلَهُ من نَفَاهُ: بأنَّ الوائدة القابلة، والموؤدة الأم، أي الموؤدة لها".
أقول: التأويل الذي ذكره العلَّامة المُنَاوي رحمه اللَّه، هو الذي ينبغي أن يصار إليه، فإنَّ نصوص الشريعة متضافرة على أنَّ (كلّ نَفْسٍ بما كسبت رهينة). وقد جاء في "المسند" للإمام أحمد (٥/ ٥٨) من طريق حسناء بنت معاوية الصُّرَيْمِيَّة، عن عمَّها، قال: قلت يا رسول اللَّه من في الجنَّة، قال: "النبيُّ في الجنَّة، والشهيد في الجنَّة، والمولود في الجنَّة، والموؤدة في الجنَّة". وحسَّنَ الحافظ ابن حَجَر في "فتح الباري" (٣/ ٢٤٦) إسناده. والمذهب الصحيح الذي ذهب إليه المحققون كما قال الإمام النووي رحمه اللَّه في "شرح صحيح مسلم" (١٦/ ٢٠٨): أنَّ أطفال المشركين الذين ماتوا ولم يبلغوا الحُلمُ، هم من أهل الجنة، وقد توسع الإمام المحقق ابن القيِّم رحمه اللَّه في كتابه "طريق الهجرتين وباب السعادتين" ص ٦٧٤ - ٦٩٧، في بحث هذه المسألة، وذكر مذاهب الأئمة فيها وأدلتهم ومناقشتها. وانظر فيها أيضًا: "فتح الباري" (٣/ ٢٤٦ - ٢٤٧) -في كتاب الجنائز، باب ما قيل في أولاد المشركين-.
* * *

الصفحة 13