كتاب حول الشعر التعليمي (اسم الجزء: 1)

وغسّان حيّ عزّهم في سواهم ... يجالد عنهم خسّر وكتائب
وبهراء حيّ قد علمنا مكانهم ... لهم شرك حول الرصافة لاحب
وغارت إياد في السّواد ودونها ... برازيق عجم تبتغي من تحارب
ونحن أناس لا حجاز بأرضنا ... مع الغيث ما نلقى ومن هو غالب
ترى رائدات الخيل حول بيوتنا ... كمعزى الحجاز أعوزتها الزّرائب 1
فالقصيدة- كما ترى- من الشعر التعليمي دون ريب؛ ذلك لأن المقصود منها هو بيان مساكن هذه القبائل في جزيرة العرب والعراق وما إليهما.
(3) أما القسم الثالث من الشعر التعليمي، وهو الذي يتناول العقائد والأخلاق, فهو في الشعر الجاهلي أكثر من أن يحصى عدداً، خصوصاً عند هؤلاء الشعراء من أمثال أمية بن أبي الصلت وعدي، وزهير ... فإذا جئنا إلى العصر الأموي، وجدنا هذا الضرب من الشعر قد تمثل بوضوح في عدة موضوعات، أولها: أنه نظمت به الكيمياء- أو الصنعة كما كانوا يسمونها..-ِ فلقد روى المسعودي أن حكيم آل مروان- خالد بن يزيد بن معاوية الذي اشتهر باهتمامه بالكيمياء قد وضع منظومة في هذه الصناعة، ذكر فيها طريقة تحويل المعدن الخسيس إلى جوهر نفيس، يقول فيها:
خذ الطّلْق مع الأشْقِ ... وما يوجد في الطرق
وشيئاً يشبه البرقا ... فدبِّره بلا حرق
فإن أحببت مولاكا ... فقد سوِّدت في الخلق 2
كما استخدم هذا الشعر في تعليم غريب اللغة كما قدمنا في صدر هذا الحديث عند الكلام عن الأرجوزة الأموية، التي أسهمت في إبراز صورة الشعر التعليمي العباسي، وفي المقامة في جانب النثر فيما بعد.. ولقد وقعت محاولة لاستخدام هذا اللون في شرح فروع الدين - في رأي عبد الملك بن مروان - من أحد شعراء العصر، فوقف عبد الملك في سبيلهِ..وذلك فيما يروى من أن الشاعر الأموي (الراعي النميري) قد أنشد عبد الملك بن مروان قصيدته التي يشكو فيها السعادة وهم يأخذون الزكاة، حتى إذا بلغ قوله:
أخليفة الرحمن إنّا معشر ... حنفاء نسجد بكرة وأصيلا
__________
(1) المفضليات للضبي بتحقيق الشيخ أحمد شاكر والأستاذ عبد السلام هارون ص 203 وحماسة أبي تمام طبع سعيد الرافعي ج1/299 ببعض اختلاف.
(2) مروج الذهب للمسعودي طبع دار التحرير بالقاهرة ج2/514.

الصفحة 212