كتاب الراغب الأصفهاني وجهوده في اللغة

إنه، أولاً، يريد أن يقيم مؤلفه على ألفاظ القرآن لا على معانيها وبذلك يقترب من عمل المعاجم التي تعنى بشروح الألفاظ.
وهو، ثانياً، ينوي أن يرتب هذه الألفاظ باعتبار أوائلها وفقا لترتيب حروف الهجاء: الألف مع الباء والألف. ثم الألف مع الباء والباء، ثم الألف مع الباء والتاء ثم الألف مع الباء إلى ... الياء، وهكذا يفعل بسائر الحروف.
وهو، ثالثا، يبدأ بالحروف المجردة للكلمة قبل أن يأخذ في مزيداتها، وهي طريقة المعاجم.
وهو، رابعا، يشرح تحت المادة المجردة كل ما اشتق منها وناسبها، أي اقترب من لفظها، من الألفاظ القرآني.
ولنختر مادة من مواد هذا المصنف، لنرى إلى أي مدى حقق الراغب عملياً هذا المنهاج، ولنبحث عما يميز كتابه هذا عن أعمال سائر اللغويين، ولتكن مادة حَسُنَ:
حَسُنَ:
الحُسْن عبارة عن كل مبهج مرغوب فيه. وذلك ثلاثة أضرب: مستحسن من جهة العقل، ومستحسن من جهة الهوى ومستحسن من جهة الحسّ.
والحَسَنة يعبر بها عن كل ما يسر من نعمة تنال الإنسان في نفسه وبدنه وأحواله.
والسيئة تضادها، وهما من الألفاظ المشتركة، كالحيوان الواقع على أنواع مختلفة، كالفرس والإنسان وغيرهما. فقوله تعالى: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} أي خصب وسعة وظفر، وإن تصبهم سيئة أي جدب وضيق وخيبة. وقال تعالى: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ} . وقوله تعالى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} ، أي من ثواب، {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ} أي من عقاب.
والفرق بين الحُسْن والحَسَنة والحُسْنى أن الحسن يقال في الأعيان والأحداث، وكذلك الحسنة إذا كانت وصفا، وإذا كانت اسماً فمتعارف في الأحداث، والحسنى لا يقال إلا في أحداث دون الأعيان، والحسن أكثر ما يقال في تعارف العامة في المستحسن بالبصر؛ يقال: رجل حسن وحُسّان وامرأة حسناء وحسانه. وأكثر ما جاء في القران من الحسن فللمستحسن من جهة البصيرة. وقوله تعالى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} أي الأبعد

الصفحة 228