كتاب الراغب الأصفهاني وجهوده في اللغة

المادية المحسوسة إلى مرحلة التطور والتقدم الذي أخذت فيه هذه المفردات دلالات اصطلاحية ومعنوية جديدة, ولننظر لذلك فيما قال في كلمة (الفارض) :
" (والفارض) : المسنَّ من البقر، قال: {لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ} ، وقيل: إنما سمي فارضا لكونه فارضا للأرض أي قاطعا، أو فارضا لما يعمل من الأعمال الشاقة، وقيل: بل لأن فريضة البقر اثنان: تبيع ومسنة، فالتبيع يجوز في حال دون حال، والمسنّة يصح بذلها في كل حال. فسميت المسنّة فارضة لذلك. فعلى هذا يكون الفارض اسماً إسلامياً".
يريد أن كلمة (فارض) بمعنى المسنة من البقر معنى ظهر في اللغة بمجيء الإسلام، فهي لم تعرف هذا المعنى من قبل، وقد عرفت بدلالتها المادية في فرض الأرض أي قطعها وتشقيقها في الحراثة أو بما يماثله من الأعمال الزراعية الشاقة.
وبهذا يدل الراغب على تنبهه لمعاني المفردات في المعنى المادي وفي المعنى الاصطلاحي المعنوي الذي يواكب التطور الحضاري. وهو سبق أرَى أنه يدل على عقلية متفتحة وسبر للغة العربية نادريَن، فكثيراً ما شغل الباحثون في عصورنا الحاضرة عن الألفاظ الإسلامية التي أضفاها الإسلام على العربية1.
سادساً- الراغب والمعاجم اللغوية- رأينا أن مفردات الراغب في ألفاظ القرآن معجم خاص بكل ما في المعاجم من شمول وترتيب وخبرة لغوية دقيقة. ولذا فإننا لا نستغرب إذا وجدنا أنه ما من مفسر لكتاب الله العزيز أو متفرغ لمعاجم اللغة يأتي بعد عصر الراغب، الذي رجحنا أنه عاش إلى أوائل المائة الخامسة للهجرة، إلا يحتاج من هذا المعجم الفريد، بصريح الإشارة إلى المصنف أو صاحبه أو دونما إشارة.
أما القول بأن معجم (أساس البلاغة) الذي صنعه جار الله بن محمود الزمخشري (538) في اللغة، وإنه مقتفٍ لأثر الراغب في ترتيب مواده اللغوية فهو قول قد يصح ويجوز، وقد يدفعه رأي آخر بأنه تطور طبيعي بدأه ابن دريد الأزدي وسار الآخرون على سنته.
أما في سائر مصنفاته فإننا نجد الخبرة اللغوية أيضا تتضح في تناول الراغب كثيراً من مفردات اللغة بالشرح والتوضيح بين المعاني المتقاربة للألفاظ المتباعدة.
__________
1 ولنلاحظ استخدامه لكلمة الفريضة في قوله (فريضة البقر اثنان) وهو تركيز على المعنى اللغوي لها، جاء في القاموس المحيط (أن الفريضة ما فرض في السائمة من الصدقة) . ولا ننس المعنى الاصطلاحي لها فيما فرض الله على الناس مت أحكام.

الصفحة 232