كتاب كشف الستور في نهي النساء عن زيارة القبور

جلياً فِي الْمَسْأَلَة "وَالْخُلَاصَة: أَنه لَا يجوز للنِّسَاء قصد الْقُبُور بِحَالَة وَلَا يدخلن فِي عُمُوم الْإِذْن بل الْإِذْن خَاص بِالرِّجَالِ وَالله أعلم".
قلت: فَالْقَوْل بِالتَّحْرِيمِ مُطلقًا هُوَ القَوْل الَّذِي ندين الله بِهِ وَلَا نعتقد سواهُ، إِذْ هُوَ الْمُوَافق لأمر رَسُول الله وَنَهْيه وقواعد شَرِيعَته ومصالح أمته فَأَما مُوَافَقَته لأَمره فَإِنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حكم على الْمَرْأَة الَّتِي تبْكي عِنْد قبر على صبي لَهَا بمنافاة ذَلِك للصبر وَالتَّقوى فَأمرهَا بقوله لَهَا: "اتَّقِ الله واصبري" فَهَذَا مُوَافق لأَمره, وَأما مُوَافَقَته لنَهْيه فَلقَوْله: "لعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زائرات الْقُبُور" فَاجْتمع فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أبلغ الطّرق لإِثْبَات هَذَا الحكم من أمره وَنَهْيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَأما مُوَافَقَته لقواعد شَرِيعَته ومصالح أُمته فَمن وُجُوه عديدة نذْكر مِنْهَا مَا يَلِي:
أَولا: من المستقر الْمَعْلُوم من قَوَاعِد الشَّرِيعَة المطهرة: أَن دَرْء الْمَفَاسِد مغلب على جلب الْمَنَافِع لاسيما عِنْد عَظمَة الْمَفَاسِد كالحالة هَذِه إِذْ لَيْسَ فِي زِيَارَة النِّسَاء للمقابر أَي مصلحَة راجحة كَمَا هِيَ فِي حق الرِّجَال، وَالْخُرُوج فِي حقهن لَا يكون إِلَّا لحَاجَة فَكيف يقدم مَا لَيْسَ بِوَاجِب على الْوَاجِب بل كَيفَ إِذا لم يكن مَشْرُوعا.
ثَانِيًا: إِن النِّسَاء ناقصات عقل وَدين مَعَ ضعف صبرهن وَكَثْرَة جزعهن وَمن جراء هَذَا نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْجزع الْمُؤَدِّي إِلَى لطم الخدود وشق الْجُيُوب وزيارتهن مجددة للحزن والبكاء وَالنوح على مَا جرت بِهِ عادتهن الناتجة من نُقْصَان الدّين وَالْعقل وَقلة الصَّبْر وَكَثْرَة الْجزع فَلَو لم تحرم زِيَارَة النِّسَاء للقبور إِلَّا من هَذَا الْبَاب لكفى فَكيف إِذا ترَتّب عَلَيْهَا من المخالفات الْبَاطِلَة مَالا يخفى على كل من شهد مَا يَقع مِنْهُنَّ فِي زَمَاننَا هَذَا من تبرج بزينة واختلاط وَغير ذَلِك مِمَّا أنكرهُ الشَّرْع.
ثَالِثا: إِن حُرْمَة التبرج والاختلاط- مَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ من الدّين وَالْعقل السَّلِيم. فخروج الْمَرْأَة من بَيتهَا لغير ضَرُورَة يُؤَدِّي فِي الْغَالِب إِلَى ارْتِكَاب هَذِه الممنوعات شرعا بل والى ترك مَا هُوَ أهم من إحصانها وقرارها فِي بَيتهَا وَالْقِيَام بِحُقُوق زَوجهَا كَمَا قَالَ الله عز وَجل {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} بل يُؤَدِّي إِلَى أعظم مِمَّا تقدم من وُقُوع اللَّعْنَة عَلَيْهَا على لِسَان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمن شهد مَا يَقع فِي عصرنا هَذَا عِنْد مزارات قُبُور الصَّالِحين وَغَيرهم لاسيما عِنْد قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وصاحبيه علم غَايَة الْعلم أَن مَا ذَكرْنَاهُ من الْمَفَاسِد المترتبة على فتح هَذَا الْبَاب أَمر وَاقع لَا يحْتَمل الشَّك والارتياب وَأَن مَنعهنَّ من زِيَارَة الْقُبُور هُوَ مُقْتَضى شَرعه وَحكمه وَمن

الصفحة 47