كتاب الفكرة السنية والحاجة إليها
والسلام، فبديهي أنه لا تتضح معاني الكتاب والسنة إلا بالنظر إلى عمل الصحابة وتشريحهم وتفسيرهم لهما.
فالكتاب والسنة منبعان لماء الحياة، وجماعة الصحابة نهر مملوء بمائهما جامع لهما لا يزال يجري إلى يوم القيامة.
فقد تبينت من هذه المقدمات الممهدة الأصول التي هي أجزاء الفكرة السنية النفسية وهي هذه:
الأصل الأول: يجب أن يكون تفكرنا في مسألة من مسائل الحياة من هذا النوع مبنيا على عقيدتنا الجازمة بأن المأخذ الأول للعلم الفارق بين الحق والباطل هو الكتاب والثاني هو السنة، أما الإجماع والقياس فيرجعان إليهما، وأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين أخذوهما من النبي صلى الله عليه وسلم من غير واسطة، ونقلوهما إلى من بعدهم من الأمة، ولم ينقل ولا يمكن أن ينقل كذلك شيء عن الدين عن غير الصحابة، ومن نسب شيئاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم بغير توسط صحابي فهو كاذب زنديق، فعمل الصحابة هو مأخذ ثالث للعلم فكونه دليلاً قطعياً على كون ذلك العمل والقول ثابتا بالكتاب أو السنة مطابقاً لهما، ولكونه أنموذجاً عملياً لتعليم النبي صلى الله عليه وسلم فهو حجة شرعية ما لم يعارضه حجة شرعية أخرى أقوى منه كنص الكتاب مثلاً.
الثاني: ولتكن وجهة فكرنا ومقصدنا بالذات في كل فكرة هي المنفعة الدينية ورضا الله سبحانه ولو بوسائط عديدة، ولتكن المنفعة الدنيوية تابعة لها غير مقصودة بالذات بل مقصودة تبعا، لأن الله تعالى يقول: {وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً} . (سورة الإسراء) .
الثالث: علينا أن نتفكر في الكتاب والسنة وعمل الصحابة هل نجد فيها هداية جزئية، قولية أو عملية مخصوصة بما نحن فيه أو عامة كلية تنطبق على ما نتفكر فيه، ثم أن علينا اتباعها إن فزنا بها في الكتاب أو السنة أو عمل الصحابة، فقد قال الله تعالى: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ} . (الأنبياء) . وسيوضح المسألة المثال الآتي: أن أرباب الحل والعقد من مملكة إسلامية يتفكرون في سياستها الداخلية في تفويض الوزارة الداخلية أو الخارجية أو غيرها، إلى رجل مناسب يفوضونها إليه، ثم ينظرون إلى الكتاب المبين فيجدون فيه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً} . الآية، وهذه الآية تهديهم إلى أصل عظيم ينور طريقهم لأنها تحذرهم عن تفويض الأمر إلى شيعي أو شيوعي وأمثالهما من أعداء الإسلام.
الصفحة 65
264