كتاب نظام الإثبات في الفقه الإسلامي (اسم الجزء: 60)

، ولأن البينة مثبتة واليمين نافية، والإثبات أولى من النفي، ولأن اليمين تكون مع عدم البينة، فإذا وجدت البينة سقط حكم اليمين، ولأن سقوط الدعوى باليمين ليس موجبا لسقوط الحق، فالحقوق لا تسقط إلا بقبض أو إبراء، وليست اليمين قبضاً ولا إبراء1.
ويرى بعض الفقهاء أن اليمين طريق من طرق الإثبات، فإذا حلف المدعى عليه سقط حق المدعي في الدعوى وترتب على ذلك اليمين قطع النزاع2.
__________
1 المغني ج10 ص 104. 1
2 المرافعات الشرعية لمحمد زيد بك الإبياني ص9 وما بعدها.2
اليمين مع الشاهد:
روى مسلم وأحمد وأبو داود عن ابن عباس رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بشاهد ويمين"، وفي رواية أحمد: "إنما كان ذلك في الأموال" وروى الدارقطني في سننه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بشهادة شاهد واحد ويمين صاحب الحق" 3.
استناداً على هذه الأحاديث ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز القضاء بشاهد ويمين المدعي في المال، وما يؤول إلى المال من حقوق الأبدان كالنكاح والطلاق، ولا يحكم بذلك في القصاص والحدود.
وخالف أبو حنيفة وأصحابه وقالوا: "لا يحكم بشاهد ويمين إذ الآية الكريمة {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُم} (البقرة: 282) قد قصرت الإثبات في البينة على النحو المذكور، وحديث الشاهد واليمين زيادة على النص، والزيادة على النص تكون نسخا، وخبر الواحد لا ينسخ المتواتر"4.
وقد أورد الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار أدلة الفريقين وانتصر لمذهب الجمهور قائلا: "جميع ما أورده المانعون من الحكم بشاهد ويمين غير نافق في سوق المناظرة عند من له أدنى إلمام بالمعارف العلمية وأقل نصيب من إنصاف، فالحق أن أحاديث العمل بشاهد ويمين زيادة على ما دل عليه قوله تعالى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ ... } الآية وعلى ما دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم "شاهداك أو يمينه" غير منافية للأصل، فقبولها متحتم، وغاية ما يقال على فرض التعارض- وإن كان فرضا فاسدا- إن الآية والحديث المذكورين يدلان
__________
3 سنن الدارقطني ج3 ص214، نيل الأوطار ومنتقى الأخبار ج10 ص282 ط الطباعة الفنية.3
4 نيل الأوطار ج10 ص284، تبصرة الحكام ج1 ص268، إعلام الموقعين ج3 ص854

الصفحة 76