كتاب ترجمة القرآن الكريم

"ومنهم (أي من العلماء) من اعتقد أنه (أي القرآن) اسم للمعنى دون النظم. وزعم1 الصلاة بغير عذر مع أن قراءة القرآن فيها فرض مقطوع به.
فرد الشيخ (يعني اليزدوي) ذلك وأشار إلى فساده بقوله وهو الصحيح من مذهب أبي حنيفة عندنا أي المختار عندي أن مذهبه مثل مذهب العامة في أنه اسم للنظم والمعنى جميعا، وأجاب عما استدل به الزاعم بقوله: لكن أبا حنيفة لم يجعل النظم ركناً لازماً له. قال مبنى النظم على التوسعة لأنه غير مقصود خصوصاً في حالة الصلاة إذ هي حالة المناجاة وكذا بنى فرضية الصلاة على التيسير قال تعالى: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآن} ولهذا يسقط عن المقتدي بتحمل الإمام عندنا وبخوف فوات الركعة عند مخالفنا بخلاف سائر الأركان، فيجوز أن يكتفي فيه بالركن الأصلي وهو المعنى، يوضحه أنه نزل أولاً بلغة قريش لأنها أفصح اللغات فلما تعسر تلاوته بتلك اللغة على سائر العرب نزل التخفيف بسؤال الرسول (صلى الله عليه وسلم) وأذن بتلاوته بسائر لغات العرب وسقط وجوب رعاية تلك اللغة أصلاً واتسع الأمر حتى جاز لكل فريق منهم أن يقرءوا بلغتهم ولغة غيرهم وإليه أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "أنزل القرآن بسبعة أحرف كلها كاف شاف" فلما جاز للعربي ترك لغته إلى لغة غيره من العرب حتى جاز للقرشي أن يقرأ يلغة تميم مثلاً مع كمال قدرته على لغة نفسه جاز لغير العربي أيضاً ترك لغة العرب مع قصور قدرته عنها والاكتفاء بالمعنى الذي هو المقصود.
فصار الحاصل أن سقوط لزوم النظم عنده رخصة كمسح الخف والسلم وسقوط شطر صلاة المسافر حتى لم يبق اللزوم أصلاً فتستوي فيه حال العجز والقدرة وفي قوله خاصة -تنصيص على أن فيما سواه من الأحكام من وجوب الاعتقاد حتى يكفر من أنكر كون النظم منزلاً وحرمة كتاب المصحف بالفارسية وحرمة المداومة على الاعتياد على القراءة بالفارسية وقيل الخلاف في الفارسية لأنها قربت من العربية فى الفصاحة فأما القراءة بغيرها فلا يجوز بالاتفاق.
وقد صح رجوعه إلى قول العامة رواه ابن أبي مريم عنه. ذكره المصنف في شرح المبسوط وهو اختيار القاضي الإمام أبي زيد وعامة المحققين وعليه الفتوى"2.
والصواب طبعاً ما ذهب إليه الكافة ورجع إليه أبو حنيفة من أن القرآن هو المعنى والنظم معاً.. والحاجة التي أدت بأبي حنيفة إلى أن يقول بعدم ركنية النظم في الصلاة
__________
إن ذلك مذهب أبي حنيفة - رحمه الله - بدليل جواز القراءة بالفارسية عنده في الصلاة.1
كشف الأسرار لعبد العزيز اليزدوي البخاري (1/26-27) .2 ء

الصفحة 87