كتاب ترجمة القرآن الكريم

وانتشر قامت التراجم ببيانه وتفهيمه، كما نرى الحال ونشاهدها من نيابة التراجم في كل أمة من أمم العجم
.. ولأنه لو نزل بألسنة الثقلين كلها مع اختلافها وكثرتها وكان مستقلا بصفة الإعجاز في كل واحد منها وكلم الرسول العربي كل أمة بلسانها ما كلم أمته التي هو منها، يتلوه عليهم معجزا لكان ذلك أمرا قريبا من الإلجاء1.
وهذا نص واضح وقاطع ليس في جواز الترجمة وحسب بل هو قائل بوجوبها اعتماداً على أن الرسول صلى الله عليه وسلم مبعوث للناس كافة برسالة القرآن التي ينبغي أن تصل للكل مفهومة حتى تقوم بها الحجة ولا سبيل لذلك إلا بالترجمة وسيأتي بيان ذلك.
وختاما يقول الأستاذ محمد صالح سمك: "واستدل الإمام الشاطبي في الموافقات على جواز ترجمة القرآن بالقياس على ما هو حاصل من إجماع الأمة على تفسيره للعامة، ومن ليس له من الفهم ما يقوى به على إدراك كل معانيه الدقيقة وما الترجمة إلا تفسير وإيضاح لغير العرب حتى يفقه القرآن وأحكامه ويتدبر معانيه ومقاصده"2.
هذه جملة الأدلة التي احتج بها المؤيدون لجواز ووجوب الترجمة وهي الأولى بالاعتبار في نظري لمنحاها الايجابي المتسق مع مقاصد الدين وأهداف الشرع الإسلامي.. غير أن ذلك لا يعفينا من مناقشة الاعتراضات والحجج الوجيهة التي أثارها أصحاب الرأي الأول.
1- قالوا: إن الترجمة بدعة وأمر لم يقدم عليه الأوائل.. وهذه حجة قد اندفعت بحصول ترجمة القرآن إلى الرومية والفارسية والحبشية على أقل تقدير فى حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وبإقراره.
وكما لا يخفى على دارس أصول السنة فإن إقراره صلى الله عليه وسلم كفعله وقوله من حيث الحجية.. ولما حصلت وقبلت الترجمة من الرسول صلى الله عليه وسلم من حيث المبدأ فلا يضيرها وإن كانت وقتئذ على مستوى بسيط واقتضت الحاجة إلى أن ترفعها الآن إلى مستوى أكبر وعلى نطاق أوسع هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن البدعة المزعومة ليست في عمل كل شيء لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم وإلا لكان مجرد جمع القرآن في مصحف وتفسيره في صحائف وجمع السنة وغير ذلك مما قصد به خدمة الشرع الإسلامي بدعة.. ولا أحسب أن عاقلا يقول بذلك خاصة وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أرشد إلى أن: "من سن سنة حسنة فله أجرها وأجرمن عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً".
فالترجمة إذن من قبيل السنة المأجور فاعلها لا من قبيل البدعة ولا السنة السيئة المذموم
__________
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل –لأبي القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري. 1
فن التدريس للتربية الإسلامية (ص 522) . 2

الصفحة 94