كتاب اضطراب الناس في مسألة الكلام مع بيان الحق الذي تدل عليه الأدلة وتشهد به الفطر السليمة
وهذا القول الذي لا يخفى فساده على كل من عنده مسكة عقل وهو فرع مذهبهم الفاسد وهو أن الله تعالى عين هذا الوجود وأن تلك الكثرة وهم وخداع من الحس لا حقيقة لها من الواقع.
ولازم هذا الهذيان والكفر الصريح أن كلام هذه المخلوقات وسائر صفاتها محمودة كانت أو مذمومةً هي عين كلام الله وصفاته إذ هي عينه. تعالى الله عما يقولون الظالمون علوا كبيرا.
ويصوّر لنا ابن القيم رحمه الله مذهب هؤلاء في نونيته بقوله:
وأتت طوائف الاتحاد بملة ... طمت على ما قال كل لسان
قالوا كلام الله كل كلام هذا ... الخلق من جن ومن إنسان
نظما أو نثرا زوره وصحيحه ... صدقا وكذبا واضح البطلان
فالسب والشتم القبيح وقذفهم ... للمحصنات وكل نوع أغان
والنوح والتعزيم والسحر المبين ... وسائر البهتان والهذيان
هو عين كلام الله جل جلاله ... وكلامه حقا بلا نكران
هذا الذي أدى إليه أصلهم ... وعليه قام مكسح البنيان
إذ أصلهم أن الإله حقيقة ... عين الوجود وعن ذي الأكوان
فكلامها وصفاتها هو قوله ... وصفاته ما ههنا قولان.
3 ـ والقول الثالث قول نفاة الصفات من جهمية ومعتزلة.
قالوا: "الرب متكلم بكلام حرف وصوتُ يخلق ذلك في بعض مخلوقاته".
فكلامه عندهم مخلوق كسائر المخلوقات.
يقول القاضي عبد الجبار المعتزلي في كتابه المغني في التوحيد والعدل (7/3) : "اختلف الناس في كلام الله تعالى والذي عليه شيوخنا: أن كلام الله عز وجل من جنس الكلام المعقول في الشاهد, وهو حروف منظومة وأصوات مقطعة, وهو عرض يخلقه الله تعالى في بعض الأجسام على وجه يسمع ويفهم معناه, يؤدِّي الملِك ذلك المعنى إلى الأنبياء عليهم السلام بحسب ما يأمر به الله عز وجل ويعلمه صلاحاً".
ويقول في القرآن الكريم (7/ 224) : "إن الله خلق القرآن وأحدثه لمصالح العباد".
وهذا القول الفاسد فرع أصلهم الفاسد وهو النفي المجمل: "أن الله تعالى ليس محلا للحوادث ولا يقوم به وصف ولا فعل".
الصفحة 109
336