كتاب اضطراب الناس في مسألة الكلام مع بيان الحق الذي تدل عليه الأدلة وتشهد به الفطر السليمة
فجرَّدوه سبحانه مما وصف به نفسه ووصفه به رسوله -صلى الله عليه وسلم- من صفات الكمال.
ومن لوازم هذا القول الفاسد في مسألة الكلام أن يكون الله تعالى متكلما بكل كلام يحدثه في الجمادات أو يخلقه في الحيوانات حقا كان أو باطلا، صدقا كان أو كذبا, وقد طرد ذلك الاتحادية. تعالى الله عن ذلك كله.
وجرّ هذا القول الفاسد قائليه إلى القول: "إن إضافة الكلام إلى الله تعالى إضافة تشريف مثل: بيت الله وناقة الله ونحو ذلك".
وبطلان ذلك لا يخفى على ذي البصيرة؛ وذلك لأن الإضافة إلى الرب تعالى نوعان:
أـ إضافة معان وصفات نحو: حياة الله وعلمه وقدرته وكلامه ونحو ذلك, فهذه من إضافة الصفة إلى الموصوف، ولا يقال في إضافة شيء من صفاته إليه تعالى إضافة تشريف إذ صفاته سبحانه ليست خارجة عن مسمى اسمه, بل يمتنع وجود ذاته بدون صفاته اللازمة لها وإن كان الذهن يفرض ذاتاً وحدها وصفة وحدها.
ب ـ إضافة ذوات وأعيان نحو: عبد الله وبيت الله وأرض الله ونحو ذلك, فهذه من إضافة المخلوق إلى خالقه جل ذكره.
وإضافة المخلوق إلى الخالق نوعان:
1 ـ إضافة عامة لا تشريف فيها, وذلك أن يضاف إليه سبحانه شيء من المخلوقات نظراً لكونه مخلوقاً مربوباً له سبحانه.
فهذا المعنى العام موجود في جميع المخلوقات من غير فرق بين مخلوق وآخر, ولك بهذا الاعتبار أن تقول في إبليس عليه اللعنة: خلق الله ولا تشريف في ذلك.
2 ـ إضافة خاصة تقتضي التشريف والتكريم للمضاف إلى الله تعالى, وذلك أن يضاف إليه سبحانه شيء من المخلوقات لمعنى خاص يوجد في ذلك المخلوق يحبه الله به ككونه نبياً وكون الكعبة قبلة للمسلمين, فإذا قيل في أحد أنبياء الله: عبد الله أو قيل في الكعبة الشريفة: بيت الله، فهذه إضافة تشريف.
وعلم بذلك أن إضافة المخلوق إلى الخالق لا تكون إضافة تشريف على وجه الإطلاق.
وأول من علم منه إنكار التكليم والمخالفة هو جعد بن درهم في أوائل القرن الثاني للهجرة, وشدد عليه في النكير علماء التابعين مثل الحسن البصري وغيره, وأفتوا بقتله فقتل
الصفحة 110
336