كتاب اضطراب الناس في مسألة الكلام مع بيان الحق الذي تدل عليه الأدلة وتشهد به الفطر السليمة

ولا يخفى فساد هذا القول بمجرد تصوره.
6 ـ والسادس قول الكلاّبية والأشاعرة.
قالوا: "كلام الله تعالى معنى واحد قائم بذات الله لازم له لزوم الحياة والعلم والقدرة, أي صفة ذاتية لازمة غير مقدورة وليس لكلامه حرف ولا صوت يسمع".
وذلك المعنى الواحد هو الأمر والنهى والخبر والاستخبار وإن عُبرّ عنه بالعربية كان قرآنا, وإن عبر عنه بالعبرانية كان توراة, وإن عبر عنه بالسريانية كان إنجيلاً, فاختلفت العبارات لا المعنى.
قال سيف الدين الآمدي في كتابه "غاية المرام في علم الكلام" (88) : "ذهب أهل الحق من الإسلاميين إلى كون الباري تعالى متكلما بكلام قديم أزلي أحديّ الذات ليس بحروف ولا أصوات".اهـ.
وقال شارح المواقف (298) : "كلامه تعالى عندنا واحد وهو المعنى القائم بالنفس الذي يعبر عنه بالألفاظ. وأما انقسامه إلى الأمر والنهي والخبر والاستفهام والنداء فإنما هو بحسب التعلق, فذاك المعنى الواحد باعتبار تعلقه بشيء على وجه خاص يكون أمراً, وباعتبار تعلقه على وجه آخر يكون خبراً وهكذا البواقي". اهـ.
هذا الذي قاله الكُلاَّبية والأشاعرة في كلام الله عز وجل هو من أفسد ما قيل في كلامه سبحانه, وكلما تأمّل العاقل هذا القول تبين له فساده, وعلم مخالفته للكتاب والسنة وكلام سلف الأمة.
ومن اللوازم الفاسدة لهذا القول لا مفر لهم منها:
أـ إن القرآن المنزّل على خاتم النبيين -صلى الله عليه وسلم- مخلوق فإنه كلام عربي مؤلف من حروف, وهؤلاء نفوا أن يكون لكلامه تعالى حرف.
ب ـ إن القرآن الكريم ليس كلام الله تعالى عندهم حقيقة.
ج ـ إن القرآن المنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم- هي التوراة المنزلة بالعبرية على موسى, وهو الإنجيل المنزل بالسريانية على عيسى عليهما السلام.
د ـ إن معنى قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} معنى قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} .

الصفحة 112