كتاب نظام الإثبات في الفقه الإسلامي (اسم الجزء: 62)

الشاهد طفلا تكلم في المهد لا يكون في الآية دليل على إعمال الأمارات إذ أن الدليل هو كلام الصبي في مهده.
وقد دفع هذا الاعتراض بأنه يستبعد أن يكون الشاهد صبيا بل كان رجلا حكيما وهو الذي يناسب سياق الآية، فلو أنطق الله الطفل لكان كافيا قوله: "إنها كاذبة" ولما احتاج إلى نصب العلامة، ثم قوله تعالى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} ليكون أولى بالقبول في حق المرأة ولو كان صبيا لا يتفاوت الحال كونه من أهلها أو من غير أهلها. كما أن لفظ الشاهد لا يقع في العرف إلا لمن تقدمت معرفته بالواقعة وإحاطة بها1.
وقيل: إنه لا تعارض بين كونه صبيا تكلم في المهد وبين الأمارة المنصوبة، فقد يتكلم الصبي, ومع ذلك ينبههم إلى الدليل الذي غفلوا عنه وهي أمارة القميص2
وهناك اعتراض ثالث هو أن هذه الآية تبيِّن شرع السابقين وشرع من قبلنا لا يلزمنا.
وقد أجيب على هذا الاعتراض بالأدلة التي يحتج بها مثبتو العمل بشرع من قبلنا إذا لم يرد دليل على نسخه عنا.
ثانيا: السنة الشريفة وعمل الصحابة رضوان الله عليهم:
كذلك احتجّ القائلون بالقرينة في الأحكام بآثار كثيرة وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، ومن هذه الآثار:
(1) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بينما امرأتان معهما ابناهما، جاء الذئب فذهب بابن إحداهما، فقالت لصاحبتها: "إنما ذهب بابنك ", وقالت الأخرى: "إنما ذهب بابنك", فتحاكمتا إلى داود عليه السلام فقضى به للكبرى فخرجتا على سليمان ابن داود عليهما السلام فأخبرتاه فقال: ائتوني بالسكين أشقّه بينكما", فقالت الصغرى: "لا تفعل يرحمك الله هو ابنها ", فقضى به للصغرى"3.
فاستدل بقرينة رضا الكبرى أن يشقّه نصفين وعدم شفقتها عليه أنه ليس ابنها، بينما أشفقت الصغرى وامتنعت عن الدعوى حتى لا يذهب الطفل, فهذا يدل على أنه ابنها إذ أن الله أودع في قلوب الأمهات الشفقة على أبنائهن.
__________
1 روح المعاني 12/ 222, أحكام القرآن لابن العربي 3/ 1071، والكشاف بهامشه الانتصاف 2/93.
2 أحكام القرآن لابن العربي3/1073، تبصرة الحكام لابن فرحون2 /93.
3 صحيح البخاري 4/ 104 "كتاب الفرائض ".

الصفحة 132