كتاب البناية شرح الهداية (اسم الجزء: 1)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQصاحب " الدراية " أخذ هذا يومئذ في شرحه. وأما الأكمل فإنه قال: وهذا استثناء العرض من العين فيكون منقطعاً.
قلت: لم يكن له حاجة إلى ادعاء حذف المستثنى منه ولا الاستشكال، والجواب عنه بل الأوجه هنا أن يقول: إلا هاهنا استثناء من قوله: فتزول بزوالها. والمعنى: فالنجاسة لا تبقى بزوال عينها كما حمل لفظ يأبى في قَوْله تَعَالَى {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} [التوبة: 32] (التوبة: 32) ، على معنى: لا يريد بهما بمعنى واحد، وكذلك هنا معنى قوله: فتزول، فلا تبقى، فحينئذ وجد الشرط في هذا الاستثناء وهو كون الكلام غير إيجاب، فيكون معنى فتزول النجاسة فلا تبقى النجاسة فتزول عنها إلا بقاء أثرها الذي يشق إزالته، فإنه معنوي فيجيء كلام الأكمل وهو استثناء العرض من العين فانتفى قول السغناقي، لأن استثناء الأثر من العين لا يصح.
الثاني: أن المراد من الأثر هو اللون والرائحة وتعريفهم المشقة بالاحتياج في قلعه إلى شيء أخر نحو الصابون والحرص وغيرها، ومنه قال الأكمل: ما يشق إزالته بالاحتياج إلى الإزالة إلى غير الماء كالصابون والأشنان.
قلت: هذا التفسير ليس بشيء لأن المعنى ليس على هذا، بل المعنى الذي يقتضيه التركيب؛ عدم إزالة الأثر بالماء لا يضر، والدليل عليه «حديث خولة بنت يسار سألت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن دم الحيض، فقال: "اغسليه" فقلت: فإن لم يخرج الدم؟، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يضرك أثره» ، أخرجه أبو داود في رواية ابن الأعرابي والبيهقي من طريقين.
وقال إبراهيم الحربي: لم يسمع بخولة بنت يسار إلا في هذا الحديث.
ورواه الطبراني في "الكبير " من حديث خولة بنت حكيم، ووهم ابن الأعرابي حيث عزاه إلى أبي داود، وليس كذلك، فإن أبا داود إنما رواه من حديث خولة بنت يسار كما ذكرنا، ولأن الأثر إذا لم يزل كان ذلك ضرورة فيسقط بهم حكم النجاسة، ولأن الأثر عبارة عن اللون والنجاسة ما كانت باعتبار اللون بل باعتبار العين والنتن وقدر الأقل.
فإن قلت: روى أبو داود عن معاذة قالت: سألت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عن الحائض يصيب ثوبها الدم، قالت: تغسله، فإن لم يذهب أثره فلتغيره بشيء من صفرة، وفي رواية الدارمي: باصفرار الزعفران، فهذا يدل أن الاحتياج إلى شيء غير الماء.
قلت هذا موقوف، وأيضاً فلا يدل على أن الاحتياج المذكور ضروري، وإنما أمرت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بذلك لتغيير اللون لا للإزالة، فإن ذلك يشق وفيه حرج وهو مدفوع.

الصفحة 738