كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 20)
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا قُومَا) فَقَامَا مَعَهُ، فَأَتَى رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ، فَإِذَا هُوَ لَيْسَ فِي بَيْتِهِ، فَلَمَّا رَأَتْهُ الْمَرْأَةُ قَالَتْ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيْنَ فُلَانٌ)؟ قَالَتْ: يَسْتَعْذِبُ لَنَا مِنَ الْمَاءِ، إِذْ جَاءَ الْأَنْصَارِيُّ، فَنَظَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ! مَا أحد اليوم أكرم إضافيا مِنِّي. قَالَ: فَانْطَلَقَ، فَجَاءَهُمْ بِعِذْقٍ فِيهِ بُسْرٌ وَتَمْرٌ وَرُطَبٌ، فَقَالَ: كُلُوا مِنْ هَذِهِ. وَأَخَذَ الْمُدْيَةَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِيَّاكَ وَالْحَلُوبَ) فَذَبَحَ لَهُمْ، فَأَكَلُوا مِنَ الشَّاةِ، وَمِنْ ذَلِكَ الْعِذْقِ، وَشَرِبُوا، فَلَمَّا أَنْ شَبِعُوا وَرَوُوا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُسْأَلُنَّ عَنْ نَعِيمِ هَذَا الْيَوْمِ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمُ الْجُوعُ، ثُمَّ لَمْ تَرْجِعُوا حَتَّى أَصَابَكُمْ هَذَا النَّعِيمُ (. خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ [فِيهِ]:) هَذَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مِنَ النَّعِيمِ الَّذِي تُسْأَلُونَ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: ظِلٌّ بَارِدٌ، وَرُطَبٌ طَيِّبٌ، وَمَاءٌ بَارِدٌ) وَكَنَّى الرَّجُلُ الَّذِي مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: أَبُو الْهَيْثَمِ ابن التَّيْهَانِ. وَذَكَرَ قِصَّتَهُ. قُلْتُ: اسْمُ هَذَا الرَّجُلِ الْأَنْصَارِيِّ مَالِكُ بْنُ التَّيْهَانِ، وَيُكَنَّى أَبَا الْهَيْثَمِ. وَفِي هَذِهِ الْقِصَّةِ يَقُولُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، يَمْدَحُ بِهَا أَبَا الْهَيْثَمِ بْنِ التَّيْهَانَ:
فَلَمْ أَرَ كَالْإِسْلَامِ عِزًّا لِأُمَّةٍ ... وَلَا مِثْلَ أَضْيَافِ الْإِرَاشِيِّ «١» مَعْشَرًا
نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَفَارُوقُ أُمَّةٍ ... وَخَيْرُ بَنِي «٢» حَوَّاءَ فَرْعًا وَعُنْصُرَا
فَوَافَوْا لِمِيقَاتٍ وَقَدْرِ قَضِيَّةٍ ... وَكَانَ قَضَاءُ اللَّهِ قَدْرًا «٣» مُقَدَّرَا
إِلَى رَجُلٍ نَجْدٍ يُبَارِي بِجُودِهِ ... شُمُوسَ الضُّحَى جُودًا وَمَجْدًا وَمَفْخَرَا
وَفَارِسِ خَلْقِ اللَّهِ فِي كُلِّ غَارَةٍ ... إِذَا لَبِسَ الْقَوْمُ الْحَدِيدَ الْمُسَمَّرَا
فَفَدَّى وَحَيَّا ثُمَّ أَدْنَى قِرَاهُمُ ... فَلَمْ يَقْرِهِمْ إلا سمينا متمرا «٤»
---------------
(١). كذا في جميع نسخ الأصل.
(٢). في نسخة من الأصل: (وخير نبي جاء).
(٣). في نسخة من الأصل: (أمرا).
(٤). المقطع.
الصفحة 175