كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 20)

[سورة المسد (١١١): آية ٤]
وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (٤)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَامْرَأَتُهُ أُمُّ جَمِيلٍ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الْعَوْرَاءُ أُمُّ قَبِيحٍ، وَكَانَتْ عَوْرَاءَ. حَمَّالَةَ «١» الْحَطَبِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: كَانَتْ تَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ بَيْنَ النَّاسِ، تَقُولُ الْعَرَبُ: فُلَانٌ يَحْطِبُ عَلَى فُلَانٍ: إِذَا وَرَّشَ عَلَيْهِ «٢». قَالَ الشَّاعِرُ:
إِنَّ بَنِي الْأَدْرَمِ حَمَّالُو الْحَطَبْ ... هُمُ الْوُشَاةِ فِي الرِّضَا وَفِي الْغَضَبْ

عَلَيْهِمُ اللَّعْنَةُ تَتْرَى وَالْحَرَبْ «٣»

وَقَالَ آخَرُ:
مِنَ الْبِيضِ لَمْ تَصْطَدْ عَلَى ظَهْرِ لَأْمَةٍ ... وَلَمْ تَمْشِ بَيْنَ الْحَيِّ بِالْحَطَبِ الرَّطْبِ
يَعْنِي: لَمْ تَمْشِ بِالنَّمَائِمِ، وَجَعَلَ الْحَطَبَ رَطْبًا لِيَدُلَّ عَلَى التَّدْخِينِ، الَّذِي هُوَ زِيَادَةٌ فِي الشَّرِّ. وَقَالَ أَكْثَمُ بْنُ صَيْفِيٍّ لِبَنِيهِ: إِيَّاكُمْ وَالنَّمِيمَةَ! فَإِنَّهَا نَارٌ مُحْرِقَةٌ، وَإِنَّ النَّمَّامَ لَيَعْمَلُ في ساعة مالا يَعْمَلُ السَّاحِرُ فِي شَهْرٍ. أَخَذَهُ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ فقال:
إن النميمة نار ويك محرقة ... ففر عَنْهَا وَجَانِبْ مَنْ تَعَاطَاهَا
وَلِذَلِكَ قِيلَ: نَارُ الْحِقْدِ لَا تَخْبُو. وَثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ [. وَقَالَ: [ذُو الْوَجْهَيْنِ لَا يَكُونُ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا [. وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: [مِنْ شَرِّ النَّاسِ ذُو الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ، وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ [. وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: أَصَابَ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَحْطٌ، فَخَرَجَ بِهِمْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ثلاث مرات يستسقون فلم يسقوا فَقَالَ مُوسَى: [إِلَهِي عِبَادَكَ [فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: [إِنِّي لَا أَسْتَجِيبُ لَكَ وَلَا لِمَنْ مَعَكَ لِأَنَّ فِيهِمْ رَجُلًا نَمَّامًا، قَدْ أَصَرَّ عَلَى النَّمِيمَةِ [. فَقَالَ مُوسَى: [يَا رَبِّ مَنْ هُوَ حَتَّى نُخْرِجَهُ مِنْ بَيْنِنَا [؟ فَقَالَ: [يَا مُوسَى أَنْهَاكَ عَنِ النَّمِيمَةِ وَأَكُونُ نَمَّامًا [قَالَ: فَتَابُوا بِأَجْمَعِهِمْ، فَسُقُوا. وَالنَّمِيمَةُ مِنَ الْكَبَائِرِ، لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ، حَتَّى قَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: ثلاث تهد العمل الصالح ويفطرون الصائم، وينقضن الوضوء: الغيبة، والنميمة، والكذب.
---------------
(١). (حمالة) بالرفح قراءة نافع وبها يقرأ المؤلف.
(٢). التوريش: التحريش يقال: ورشت بين القوم وأرشت.
(٣). الحرب (بالتحريك): نهب مال الإنسان وتركه لا شي له. [ ..... ]

الصفحة 239