كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 20)

وَالشَّهَوَاتُ. قَالَ: لَا، وَلَكِنْ عُجِّلَتِ الدُّنْيَا، وَغُيِّبَتِ الْآخِرَةُ، أَمَا وَاللَّهِ لَوْ عَايَنُوهَا مَا عَدَلُوا ولا ميلوا «١».

[سورة الأعلى (٨٧): آية ١٧]
وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى (١٧)
أَيْ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ، أَيِ الْجَنَّةُ. خَيْرٌ أَيْ أَفْضَلُ. وَأَبْقى أَيْ أَدْوَمُ مِنَ الدُّنْيَا. وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا كَمَا يَضَعُ أَحَدُكُمْ أُصْبُعَهُ فِي الْيَمِّ، فَلْيَنْظُرْ بِمَ يَرْجِعُ [صَحِيحٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ «٢». وَقَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا مِنْ ذَهَبٍ يَفْنَى، وَالْآخِرَةُ مِنْ خَزَفٍ يَبْقَى، لَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يُؤْثَرَ خَزَفٌ يَبْقَى، عَلَى ذَهَبٍ يَفْنَى. قَالَ: فَكَيْفَ وَالْآخِرَةُ مِنْ ذَهَبٍ يَبْقَى، وَالدُّنْيَا مِنْ خزف يفنى.

[سورة الأعلى (٨٧): الآيات ١٨ الى ١٩]
إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٨) صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى (١٩)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى) قَالَ قَتَادَةُ وَابْنُ زَيْدٍ: يُرِيدُ قَوْلَهُ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى. وَقَالَا: تَتَابَعَتْ كُتُبُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ- كَمَا تَسْمَعُونَ- أَنَّ الْآخِرَةَ خَيْرٌ وَأَبْقَى مِنَ الدُّنْيَا. وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى قَالَ: كُتُبُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ كُلُّهَا. الْكَلْبِيُّ: إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى مِنْ قَوْلِهِ: قَدْ أَفْلَحَ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ عَلَى مَا يَأْتِي. وَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى قَالَ: هَذِهِ السُّورَةُ. وَقَالَ والضحاك: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى، أَيِ الْكُتُبِ الْأُولَى. (صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى) يَعْنِي الْكُتُبَ الْمُنَزَّلَةَ عَلَيْهِمَا. وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ بِعَيْنِهَا فِي تِلْكَ الصُّحُفِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الْمَعْنَى، أَيْ إِنَّ مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ وَارِدٌ فِي تِلْكَ الصُّحُفِ. وَرَوَى الْآجُرِّيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فما
---------------
(١). قوله (ما عدلوا): ما ساووا بها شيئا. وقوله (ولا ميلوا): أي ما شكوا ولا ترددوا (عن النهاية لابن الأثير).
(٢). راجع ج ٤ ص ٣٢٠

الصفحة 24