كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 20)

الرَّاكِسُ: بَطْنُ الْوَادِي. وَكَذَلِكَ هُوَ فِي قَوْلِ النابغة:
أَتَانِي وَدُونِي رَاكِسُ فَالضَّوَاجِعُ «١»

وَالرَّاكِسُ أَيْضًا: الْهَادِي، وَهُوَ الثَّوْرُ وَسَطَ الْبَيْدَرِ «٢»، تَدُورُ عَلَيْهِ الثِّيرَانُ فِي الدِّيَاسَةِ. وَقِيلَ: الرَّحِمُ تَنْفَلِقُ بِالْحَيَوَانِ. وَقِيلَ: إِنَّهُ كُلُّ مَا انْفَلَقَ عَنْ جَمِيعِ مَا خُلِقَ مِنَ الْحَيَوَانِ وَالصُّبْحِ وَالْحَبِّ وَالنَّوَى، وَكُلُّ شي مِنْ نَبَاتٍ وَغَيْرِهِ، قَالَهُ الْحَسَنُ وَغَيْرُهُ. قَالَ الضَّحَّاكُ: الْفَلَقُ الْخَلْقُ كُلُّهُ، قَالَ:
وَسْوَسَ يَدْعُو مُخْلِصًا رَبَّ الْفَلَقْ ... سِرًّا وَقَدْ أَوَّنَ تَأْوِينَ الْعُقَقْ «٣»
قُلْتُ: هَذَا الْقَوْلُ يَشْهَدُ لَهُ الِاشْتِقَاقُ، فَإِنَّ الْفَلَقَ الشَّقُّ. فَلَقْتُ الشَّيْءَ فَلْقًا أَيْ شَقَقْتُهُ. وَالتَّفْلِيقُ مِثْلُهُ. يُقَالُ: فَلَقْتُهُ فَانْفَلَقَ وَتَفَلَّقَ. فكل ما انفلق عن شي مِنْ حَيَوَانٍ وَصُبْحٍ وَحَبٍّ وَنَوًى وَمَاءٍ فَهُوَ فلق، قال الله تعالى: فالِقُ الْإِصْباحِ «٤» [الانعام: ٩٦] قال: فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى «٥» [الانعام: ٩٥]. وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ الثَّوْرَ الْوَحْشِيَّ:
حَتَّى إِذَا مَا انْجَلَى «٦» عَنْ وَجْهِهِ فَلَقٌ ... هَادِيهِ فِي أُخْرَيَاتِ اللَّيْلِ مُنْتَصِبُ
يَعْنِي بِالْفَلَقِ هُنَا: الصُّبْحَ بِعَيْنِهِ. وَالْفَلَقُ أَيْضًا: الْمُطْمَئِنُّ مِنَ الْأَرْضِ بَيْنَ الرَّبْوَتَيْنِ، وَجَمْعُهُ: فُلْقَانُ، مِثْلُ خَلَقٍ وَخُلْقَانُ، وربما قالوا: كَانَ ذَلِكَ بِفَالِقِ كَذَا وَكَذَا، يُرِيدُونَ الْمَكَانَ المنحدر
---------------
(١). صدر البيت:
وعبد أبي قابوس في غير كنهه

والضواجع: جمع ضاجعه وهي منحني الوادي.
(٢). البيدر: الموضع الذي يداس فيه الحبوب.
(٣). ورد هذا البيت في الأصول محرفا. وهو من أرجوزة رؤبة بن العجاج التي مطلعها:
وقائم الأعماق خاوى المخترق

وقوله: (أون) أي أكل وشرب حتى امتلأ بطنه. والعقق: جمع عقوق كرسول ورسل وهي التي تكامل حملها، وقرب ولادها. وصف صائدا لما أحس بالصيد- وهي الأتن التي وردت الماء فشربت حتى امتلأت خواصرها- وأراد رؤبة: وسوس نفسه بالدعاء حذر الخيبة. [ ..... ]
(٤). آية ٩٦ سورة الانعام.
(٥). آية ٩٥ سورة الانعام.
(٦). كذا في الأصول واللسان. والذي في الديوان: (ماجلا). وقال ابن بري: الرواية الصحيحة:
حتى إذا ما جلا عن وجهه شفق

وقوله تعالى (هاديه) أي أوله مأخوذ من الهادي وهو مقدم العنق.

الصفحة 255