كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 20)

تَنْبِيهًا عَلَى عِظَمِهِ، وَكَثْرَةِ ضَرَرِهِ. وَالْحَاسِدُ عَدُوُّ نِعْمَةِ اللَّهِ. قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: بَارَزَ الْحَاسِدُ رَبَّهُ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا- أَنَّهُ أَبْغَضَ كُلَّ نِعْمَةٍ ظَهَرَتْ عَلَى غَيْرِهِ. وَثَانِيهَا- أَنَّهُ سَاخِطٌ لِقِسْمَةِ رَبِّهِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: لِمَ قَسَمْتَ هَذِهِ الْقِسْمَةَ؟ وَثَالِثُهَا- أَنَّهُ ضَادَّ فِعْلَ اللَّهِ، أَيْ إِنَّ فَضْلَ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ، وَهُوَ يَبْخَلُ بِفَضْلِ اللَّهِ. وَرَابِعُهَا- أَنَّهُ خَذَلَ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ، أَوْ يُرِيدُ خِذْلَانَهُمْ وَزَوَالَ النِّعْمَةِ عَنْهُمْ. وَخَامِسُهَا- أَنَّهُ أَعَانَ عَدُوَّهُ إِبْلِيسَ. وَقِيلَ: الْحَاسِدُ لَا يَنَالُ فِي الْمَجَالِسِ إِلَّا نَدَامَةً، وَلَا يَنَالُ عِنْدَ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا لَعْنَةً وَبَغْضَاءَ، وَلَا يَنَالُ فِي الْخَلْوَةِ إِلَّا جَزَعًا وَغَمًّا، وَلَا يَنَالُ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا حُزْنًا وَاحْتِرَاقًا، وَلَا يَنَالُ مِنَ اللَّهِ إِلَّا بُعْدًا وَمَقْتًا. وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (ثَلَاثَةٌ لَا يُسْتَجَابُ دُعَاؤُهُمْ: آكِلُ الْحَرَامِ، وَمُكْثِرُ الْغِيبَةِ، وَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ غِلٌّ أَوْ حَسَدٌ لِلْمُسْلِمِينَ). وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[تفسير سورة الناس]
سُورَةُ" النَّاسِ" مِثْلُ" الْفَلَقِ" لِأَنَّهَا إِحْدَى الْمُعَوِّذَتَيْنِ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيَّ آيَاتٍ لَمْ يُرَ مِثْلَهُنَّ: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) إِلَى آخِرِ السُّورَةِ وَ (قُلْ أَعُوذِ بِرَبِّ الْفَلَقِ) إِلَى آخِرِ السورة) ". قال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة الناس (١١٤): الآيات ١ الى ٣]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١) مَلِكِ النَّاسِ (٢) إِلهِ النَّاسِ (٣)
قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ أَيْ مَالِكِهِمْ وَمُصْلِحِ أُمُورِهِمْ. وَإِنَّمَا ذَكَرَ أَنَّهُ رَبُّ النَّاسِ، وَإِنْ كَانَ رَبًّا لِجَمِيعِ الْخَلْقِ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لِأَنَّ النَّاسَ مُعَظَّمُونَ، فَأَعْلَمَ بِذِكْرِهِمْ أَنَّهُ رَبٌّ لَهُمْ وَإِنْ عُظِّمُوا. الثَّانِي: لِأَنَّهُ أَمَرَ بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْ شَرِّهِمْ، فَأَعْلَمَ بِذِكْرِهِمْ

الصفحة 260