كتاب الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي

ولعل أقرب هذه الروايات إلى الحقيقة، وأبعدها عن أوهام الرواة، الرواية الثانية التي يرويها ابن الأنباري عن مؤرج، والتي تتحدث عن قتل الأزد أباه.
والشنفري نفسه في بعض شعره يصرح بأن قومه قد أضاعوا أباه1، وفي أخباره أنه "قدم مني وبها حرم بن جابر فقيل له: هذا قاتل أبيك، فشد عليه فقتله"2، وهو يصرح بهذا في تائيته المفضلية3.
وأيا ما كانت الأسباب لهذا الحقد الذي ملأ نفس الشنفرى على بني سلامان فإنه قد وهب حياته للانتقام منهم، "فكان يُغير على الأزد على رجليه فيمن معه من فهم، وكان يُغير عليهم وحده أكثر ذلك"4.
وبلغت الرغبة في الانتقام في نفس الشنفرى حدا جعله يحرص على التفنن فيه، فكان يصنع النبل ويجعل أفواقها من القرون والعظام، فإذا غزاهم عرفوا نبله بأفواقها في قتلاهم5، وكان إذا رمى رجلا منهم قال له تحديا: أأطرفك؟
ثم يرمي عينه6.
ويقتل الشنفرى منهم -فيما تزعم الروايات- تسعة وتسعين، ثم يتربص به أعداؤه، ثم يقتلونه بعد أن يتفننوا في تعذيبه تفننا قاسيا، ثم يمر رجل منهم بجمجمته فيضربها فتعقره فيموت، وتتم به المائة الذين كانت حلفة الشنفرى عليهم7.
__________
1
أضعتم أبي إذ مال شق وساده ... على جنف قد مال من لم يوسد
2 الأغاني 21/ 137
3
قتلنا حراما مهديا بملبد ... ببطن منى وسط الحجيج المصوت
"المصدر السابق: الصفحة نفسها، وانظر المفضليات/ 205".
4 الأغاني 21/ 135.
5 المصدر السابق: 142
6 المصدر نفسه/ 136. ابن الأنباري: شرح المفضليات/ 196.
7 انظر المصدرين السابقين: لأغاني/ 135-136، 137-138، 142-143، وابن الأنباري/ 196-199. وانظر أيضا ابن حبيب: المغتالين "مصورة" لوحة رقم 93-94.

الصفحة 336