كتاب المساجد الأثرية في المدينة النبوية

فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر على بني غنم وهم جيران المسجد، فقال: من مرّ بكم؟ فقالوا مر بنا دحية الكلبي (1) وكان دحية تشبه لحيته ووجهه جبريل عليه السلام. قالت: فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصرهم خمساً وعشرين ليلة فلما اشتد حصرهم واشتد البلاء قيل لهم: انزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستشاروا أبا لبابة بن عبد المنذر (2) فأشار إِليهم أنه الذبح فقالوا: ننزل على حكم سعد بن معاذ فأتي به على حمار عليه إِكاف (3) من ليف (4) قد حمل عليه وحف به قومه وقالوا له: يا أبا عمرو حلفاؤك ومواليك وأهل النكاية (5) ومن علمت، فلم يرجع لهم شيئاً ولا يلتفت إِليهم حتى إِذا دنا من دورهم التفت إِلى قومه فقال: قد أتى لي أن لا يأخذني في الله لومة لائم. قال أبو سعيد: فلما طلع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا إِلى سيدكم فأنزلوه، قال عمر: سيدنا الله. قال: أنزلوه. فأنزلوه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احكم فيهم. قال سعد: ((فإِني أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم وتقسم أموالهم. فقال
__________
(1) هو دحية بن خليفة بن عامر بن فروة بن فضالة بن امرئ القيس الكلبي، كان أجمل الناس وجهاً، أسلم قديماً، أرسله النبي صلى الله عليه وسلم رسولاً إِلى قيصر: وكان يشبّه بجبريل عليه السلام، بقي إِلى خلافة معاوية، تهذيب التهذيب (3/ 206 - 207)، المعارف لابن قتيبة ص 329.
(2) هو أبو لبابة بن عبد المنذر الأنصاري المدني يكنى ببنت له يقال لها لبابة. كانت تحت زيد بن الخطاب. واسمه بشير بن عبد المنذر، وقيل: رفاعة بن عبدالمنذر، خرج إِلى بدر ورده النبي صلى الله عليه وسلم من الروحاء، واستعمله على المدينة. وكانت معه راية بني عمرو بن عوف في الفتح، وكان أحد النقباء ليلة العقبة، توفي في خلافة علي رضي الله عنه، وقيل: بعد سنة 50هـ. المعارف لابن قتيبة ص 325، تهذيب التهذيب (12/ 214).
(3) إِكاف الحمار وكافه، آكف الحمار وأوكفه أي شدّ عليه الإِكاف. مختار الصحاح: أ ك ف.
(4) الليف للنخل، والواحدة ليفة. مختار الصحاح: ل ي ف
(5) نكى في العدّو، قتل فيهم وجرح، نكي ينكى نكاية. مختار الصحاح ص 680.

الصفحة 172