كتاب المساجد الأثرية في المدينة النبوية

وعن أبي عطاء عن أبيه قال: قال لي سعيد بن المسيب (1): يا أبا محمد، أتعرف موضع دار كثير بن الصلت؟ قلت: نعم. قال: ((فإن النبي صلى الله عليه وسلم خرج حتى انتهى إلى ذلك الموضع، فقام وصف أصحابه خلفه فصلى على النجاشي حين مات بأرض حبشة)) (2).
وقال ابن سعد: كانت دار كثير بن الصلت قبلة المصلى في العيدين وهي تطل على بطحان الوادي الذي في وسط المدينة. انتهى، وإنما بنى كثير بن الصلت داره بعد النبي صلى الله عليه وسلم بمدة لكنها لما صارت شهيرة في تلك البقعة وصف المصلى بمجاورتها (3).
الصلاة على الغائب:
وما دمنا تحدثنا عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي صلاة الغائب يجدر بنا أن نذكر فيما يلي رأي العلماء في الصلاة على الغائب.
وقال ابن القيم: صح عنه صلى الله عليه وسلم أن صلى على النجاشي صلاته على الميت فاختلف الناس في ذلك على طرق، أحدها أن هذا تشريع منه وسنة للأمة الصلاة على كل غائب، وهذا قول الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه، وقال أبو حنيفة ومالك: هذا خاص به وليس ذلك لغيره. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: الصواب أن الغائب إن مات ببلد لم يُصلَّ عليه فيه صُلّي عليه صلاة الغائب كما صلّى النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي لأنه مات بين الكفار ولم يُصلَّ عليه، وإن صلي عليه حيث مات لم يصَّل عليه صلاة الغائب. لأن الغرض قد سقط بصلاة المسلمين عليه، والنبي صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) هو سعيد بن المسيب بن حزن المخزومي القرشي المدني. من كبار التابعين، أحد الفقهاء السبعة بالمدينة جمع بين الحديث والفقة والزهد والعبادة
توفي بالمدينة سنة 94 - تهذيب التهذيب (4/ 84 - 88).
(2) تاريخ المدينة لابن شبة (1/ 145).
(3) فتح الباري (2/ 449).

الصفحة 230