كتاب وجاء النبي المنتظر

الاستئصال كما استحق من قبلهم. فإن الآيات توجب إقامة الحجة عليهم، والحجة قائمة بغيرها، فإن ما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم حصل به كمال الهدى والحجة. فقد أظهر الله سبحانه على يدي رسوله من الآيات ما هو أعظم من آيات من قبله من الأنبياء. روى المفسرون وأهل الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: سأل أهل مكة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا، وأن ينحي عنهم الجبال حتى يزرعوا. فقيل له: إن شئتم نستأني بهم، وإن شئت نؤتيهم الذي سألوا، فإن كفروا هلكوا كما هلك من قبلهم. فقال: بل أستأني بهم. فأنزل الله: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآياتِ إلا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ} ... الآية17/59.
وأكتفي سبحانه وتعالى بتعذيب بعضهم بأنواع من العذاب كما قال سبحانه: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إلا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا} 9/52، فأخبر جل جلاله أنه يعذب الكفار تارة بأيدي المؤمنين بالجهاد والحدود كما سلف، قال سبحانه: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} , وهو وتارة بغير ذلك، كالمستهزئين الذين قال الله فيهم: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ} 5/95، وكالذي دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يسلط الله عليه كلبا من كلابه، فافترسه الأسد.

الصفحة 42